قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

فوق طموحي

on الجمعة، 2 أكتوبر 2009




كانت نهايتي التي وضعتها بين يدي .. وخططت لها منذ زمن طويل ..

فلم يعد لندم مكان في نفسي والألم والحسرة قد أصبح جزء من كياني ... إذ كانت طموحي التي لا تنتهي هي سبب حالتي هذه .. طموحي التي لا حدود لها .. قد ألقت بي على قارعة طريق عمري ... المتبقي في رصيد حياتي ..


أحيانا أتعجب من نفسي كيف لم ارتضي بتلك الحياة الهانئة البسيطة .. في كنف ورعاية زوجي .. زوجي الذي ذهب ولم يعد ... ولن يعود إليّ أبداً ... أبدا! ...


مادمت قد مهدت له طريقاً يملأ حافتيه النعيم والسعادة فكيف به يتطلع إلى العودة إليّ ... وإلى ما هو ليس بين يدي .. فلما لا يبقى به دون أن يكتفي بالنظر به ... ذلك يومأ لن أنساه ولن أنساه أبداً .. لقد حطمت حياتي وسعادتي .. بيدي أنا .. دون غيري ..


طمعت وما في الطمع من خيراً يرجى ... ويا ليتني رضيت بما لدي واكتفيت . وحمدت الله على نعمته البسيطة التي منّه ليّ .. بل على العكس .. لقد استنكرت لحالي .. وانتقمت من النعمة التي أنا بها إلى نعمة قد انقلبت على نقمة ..كبيرة .. إنها نقطة كبيرة في حياتي .. وعجزت أن أمحوه ...لقد ظل عالقاً في نفسي تلوكه ألسنة الناس بالحديث عنه وما عساني أن أفعل لأطمس ما صنعت سوى أن اعتزل العالم في حجرتي .. فلا أكاد أن اسمع بما يقولونه .. أو ما سيقولونه .. لن ألومهم .. لن أتذمر .. منهم .. ولن أرفض ...أو أعراض ... بل الحق كل الحق معهم .. أن سخروا بي .. أو استهزؤوا عليّ ... فأنا من زرعت هذا المصير لنفسي وسأجني حصاده بنفسي أنا لا بغيري ...


كان ذلك منذ زمن طويل ... ربما ما يقارب أربع سنين .. كانا للتو قد تزوجنا ... وحلقنا إلى روما لقضاء شهر العسل فيه .. كانت أجمل لحظات حياتي ... وذكريات عمري الماضية .. كانا في سعادة لا حدود لها .. ومضت الأيام سريعاً ..


حتى عدنا إلى موطنا الأصلي .. وعدنا إلى إعمالنا بعد ما قضينا أجازة كانت فيها لحظة العمر التي لا تمحى ..
كان لا يعكر صفو حياتنا شيء .. سوى أن زوجي كان طموحاً وجاداً ورغب في استكمال دراسته العليا ( الماجستير ) .. لم أعارضه فقد كانت طموحي أكبر منه ... وودت لو يكون يوماً سفيراً أو وزيراً ليشار إليّ بزوجته وحرمه المصون .. تمنيت هذا من قلبي .. فقد كان حلم حياتي بأن أكون ثرية جداً ... وبجوار زوجي أيضا نطوف العالم بأجمع .. لا يحدنا شيئاً ولا يستحيل علينا من شيء ..



كم حملت بهذا طويلا وكم كنت أتذمر من حياتي واشرح معاناتي إليه ..ورغبتي وطموحي التي لا حدود لها ..حاول جاهداً إن يحقق لي رغباتي ولكن لم يكن يستطيع هذا كله .. كنت اعمل موظفة في البنك ... أعمل به بدوام كامل لأتقاضى أجراً كبير يخولني لأصبح يوماً ما ثرية جداً ... ولقد شجعت زوجي على ذلك ...


حتى أتى يوماً قدمت إلى فتاة تقارب من سن الخامسة والعشرين أو أكثر .. كانت ثرية جداً جدأ .. لقد ورثت من أباها أموال طائلة .. لا تقدر ... بالملايين .. دلفت إلينا فنهضت المديرة سريعاً بكل احترام وإجلال لها .. لمحتها وهي تدخل في شيء من الكآبة التي يغم على محياها النظرة وخلفها الخادمات يخدمنها جميعهن تتهافت إليها بهيئة واحدة ولباس واحد .. وإن اختلفن في أعمالهن أحدهن لتحمل حقيبتها والأخرى ...لتحمل عباءتها والثالثة لتمدها بنظارتها الشمسية والرابعة لتقدم لها جهازها النقال والخامسة .. والسادسة .. الخ .. ومن ثم يقفن جميعهن خلفها صفاً واحداً كأنما هن جنودا مجندة وهي القائد لميسرتهن ..


أخذت أتأمل تلك الصورة التي لم تمحو من ذاكرتي أبداً .. وتخيلت نفسي مكانها أكنت أفعل مثلها أم لا .. بل لن أتنازل عن المجيء إلى البنك .. ولن أتنازل لأرفع سماعة الهاتف .. هن من يأتين إلي لأجراء حساباتي الجارية .. في داخل البلاد ..وخارجه ... من داخل قصري .. آآآآآآآه كم كان حلماً جميلاً ... ربما لن أعيش في موطني الأصلي .. سأرحل بمالي إلى روما .. لأقضي أجمل لحظات عمري كلها .. هُنـاك .. ولكن هذا محال .. إن يحدث في اليوم والليلة معاً .. لذا بدأت بالتقرب من هذه الفتاة شيئاً فشيئاً ..


حتى ما ارتاحت إلى فتحت لي قلبها .. ومالها .. وقصرها .. أتي إليها حيثما أشاء .. طرت فرحاً .. ورقصت طرباً .. فخططي تسير كما رسمت لها في خارطة ذهني .. ونصبتها أمام عيني ... حذرني زوجي من هذا .. تذمر من أسلوبي .. هذا .. وساء أن افعل هذا ..؟؟
حتى أتي يوماً صارحني به .. بصوت يملاه القوة والحنان والرغبة والإقدام إذا قالت لي يومها ..:
أتعلمين أنني حينما أتزوج سأتخلى عن كل ما أملك ..وكل ما لدي في لحظة أن وجدت الإنسان الذي يستحقني واستحقه بصدق .. ولكن هذا محال .. أتعملين لماذا..؟؟
أجبتها وأنا مهتمة بالأمر .. لماذا...؟؟
لأنني أعلم بأنه لا يمكن أن يوجد إنسان بمعنى الكلمة .. طموح .. جاد ... شجاع .. غيور .. كريم ...رحيم .. طيب القلب ... حلو اللسان .. لا يمكن ... لا يمكن أبداً ..!!
تلألأت في مخليتي صورة زوجي لما لا أمنحه كل هذا الثراء مقابل أن يمنحها ما تريده هو .. فقفزت الفكرة في رأسي لتستقر في لساني فقلت لها بلا وعي ...:
بلى يوجد .. ودعي الأمر لي ..
ماذا ستفعلين ..؟؟
قالتها برغبة وبفرح يحيطهما دهشة كبيرة فقلت لها يومها :
أنت تخشين أن يتزوجك رجلاً من اجل مالك .. وليس لذاتك ..أليس كذالك ...!!
أجابتني في لهفة .. نعم هذا صحيح .
فأردفت لها بكل اعتزاز وزهو:
ولكنني لن اخبره بذلك ولن يعلم بهذا سيتزوجك ظنا منه أنك فتاة بسيطة تساوينه أو أقل ..
هتفت :
يا لروعة الفكرة ..أجل ...أجل ..
ولكن يعلم بهذا حينما تخبرينه بهذا ما رأيك ..
أعجبت الفكرة ورحبت به كثيراً .. حينها لم أستطيع البقاء على الأرض من شدة فرحي وسروري .. فأخبرت زوجي بذلك .. ورجوته بأن يتزوجها ..بشرط ما أن تعطيه جميع ما تملك ليعود إلي كعهدنا السابق ... رفض ذلك .. بشدة ..أن يبيع كرامته ورجولته من اجل فكره الاستغلال لفتاة تملك المال الكثير .. أو حتى أن يتخلى من مروءته وشهامته ليوقع بها كل هذا .. سأمت منه .. وحاولت و حاولت مرات عديدة .. وأصريت على قولي ..


مضت أشهر طويلة وأنا أقنعه بفكرتي هذا ... وأُقبح صورة النعمة التي نحن بها ..بدأ يتذمر من الحياة المتوسطة التي كانا نعيشها وأقنعه لعملي بحبه في استكمال دراسته لنيل شهادة الدكتوراه .. ولن يتحقق هذا إلا بوجود المال الوفير الذي يغنينا عن العمل من أجله .. وبالفعل نجحت .. ويا ليتني لم أنحج لفكرتي ... ويا ليتني يومها مت قبل أن أرى الصورة تتضح أمامي ببشاعتها تهزئ بي . فأثرت السعادة من أجلي على البكاء لفراق زوجي ..


وبالفعل بدأ زوجي يتأقلم مع الوضع الجديد والعيش معها ... شيئا فشيئاً حتى بدأ ينسحب من حياتي .. بل ومن قلبي .. كله ليبقى الثراء والجاه مطبوع في قلبي ... أتحرى قدومه على أحر من الجمر ..


بدت الأيام تبتسم لي بون اصفر باهت لم يعد له طعم .. أو رائحة .. بقى ثقيلاً لم أعدها من قبل .. حتى اختفى من حياتي . .بالنهاية حاولت البحث عنه ولكن ما وصلني منه غير روقة الطلاق .. لقد كانت نهاية حتمية ... والتي بدأت أنا في رسمها لأصل بالنهاية بها وأنا لها .. وما فائدة العيش بدون زوجي الحبيب ... لم استسغ طعم الحياة من بعده ...

كرهت نفسي وحق لزوجي فعل ذلك ... لقد أمن مستقبله معها .. ليمضيا طريقهما معاً خصوصا وإن حملت بابنه البكر .. والذي يليه .. لقد أمن لهم حياة مستقرة هادئة .. لا يعكرها شيئاً .. ومضيت أنا وحدي في هذه الحياة .. أنال جزائي الذي كنت أبحث عنه ... وسط دائرة الأوهام الزائفة .... لتمضي السنين وهي ترتقب بي .. تجرعت خلالها مرارة الألم وحرقة القلب ..

فلا زوج بقريب أنعم بحنانه وعطفه لي .. ولا المال الذي سأحقق به طموحي التي ما تزال تزداد علي يوماً بعد يوم .. يأست كثيراً .. وليتني تريثت قليلاً .. لنُت أنا كل هذا الحب والحنان .. فلا يعوضني بحبه لا مال ولا جاه .. ليتني بقيت معه وأصغيت لصوت القلب عن صورة الحال ... ولكن بعدما فات الأوان .. فلو إنني صبرت كما صبر هو لأصبحت زوجة الوزير الآن .. يمتلك عدة شركات عملاقة .. والخاصة بالسفر والطيران .. حينها بكيت عندما رأيت صورته على غلاف أخر الجريدة اليومية ...


ذكر مفاده أنه أفتتح مشروع أخر في منطقة تجارية .. رأيته هو كما هو ..لم يتغير ..ولكنه أزداد وسامة وجمالاً .. ونضارة يشع بها السعادة والصفاء .. أدركت أن سر ذلك هو الحب ... وليس المال ... أدركت أن الحب قد أترسم خيوطه المشعة في نفسه ...شعرت بالقهر .. ورغبة ملحة في البكاء ..فلطمت نفسي الأمارة بالسوء .. وليتني صبرت لكنت نلت ما كنت أطمح به منذ صغري حينما كانت طموحي بريئة يصفو بها النقاء ..!!

" ....... تمت ......."