قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

الحبيب الأولي

on الأحد، 13 فبراير 2011



قرر أن يرسل لها اعتذراً ..... بعد أن قرر أنهاء العلاقة الميتة بينهما ..... لم تكن علاقة سطحية ... بل هي علاقة امتدت لأكثر من عشر سنوات ...... تعارفا منذ أن كانا في المرحلة المتوسطة ....... وكأيّ شخصين يتعارفا في مرحلة الطيش والطفولة وبواكر نقطة المراهقة ...... لتمضي أيام وتلوها سنين ..... وهو يشعر بمن أثمرت في حياته وردة حمراء ..... يمسي ويصبح بها ..... مرت الأيام بطيئة جداً وهو يحاول أن يطلعها بأمره ..... بأمر كان يخشى عواقبه ..... ويتخوف من ردة فعلها ...... أنتظرها ذات يوم ..... وطول اليوم ...... لكنها لم تكن موجودة وقتها ......... حاول ان ينساها، و مع كل دقيقة تمر .... أخذ يدعي ربه أن يظل صامدا .... وصابراً .... وقوياً .... وبعض الحين يعود بجنونه حينما يلمح طيفها... فيرجو ربه أن تكون في صالحه ....، أن تكون معيناً له على النسيان ولكنها أسفاًً تنحاز لها و تتركه بلا شيء غير ذكراها .... حاول الانشغال وأخذ في البحث عن طريق محركات البحث ( قوقل ) عن صور مضحكة .... مقاطع أكثر أضحاكاً ...... ، وفعلاً نجحت خطته البائسة (مؤقتاً) فقد كان انشغاله سبباً كافياً ليتناساها ॥ وحينما أوشكت الشمس أن تسدل خمارها ..... ويحل الليل بسكينته الموحشة ...... وتدق الساعة التي تحتم عليه أن يخلد لنوم يريحه من شقاء اليوم॥ .. ليستلم ويتمدد في سريره بأرهاق متقطع ... شعر بدبيت النمل الراقص يسري في جسده وبأرتياح خفي يحوم حوله ..... لم تمضي دقيقة إلا وتظهر شيئاَ فشئياً في قصر مخيلته ...... بدأت تظهر أكثر وأكثر ..... حتى رأها .... بكامل صورتها .....المتخيلة .....فتبتل عيناه المغمضتان .... لتعلن عن ما يسكن في داخله من أحساس خاص ....... وتسقط معها دمعة شوق ... وألمـ ... في نفس الوقت !!

تمر الشهور ..... والأيام .... والسويعات ...... وهو في محاولة مستمرة لينساها ..... وتدريجياً بدأت محاولاته ترى بصيص نور الباهت .... كجثة سطحت فوق سطح البحر الميت ..... حاول وبدأ.... يستعيد نشاطه وحيويته وبدأ شبحها يتواري عن سطح أفكاره ليحتل مكان أخر غير المكان الأول।

شيئاَ فشيئاَ .... وجد نفسه بخير .... وبدأ يستعيد حيويته ... إلا ان كان في قلبه ما زال هناك مكان يخفق بصمت لذكراها ..... بعد أن بدأت تصبغت بها ألواناً جديدة للحياة بعد خيم بسقفها السواد .. أصبح قلبه حياً من جديد .... بل أصبح له حياة بعد أن دفن ماضيه ...... و بعد أن سكنته هي سنوات عديدة وحان موعد ترتيب حياته .... المستقبلية .... حان الوقت أن يفتح قلبه وعينيه وجميع جوارحه ... لغيرها .....لمن تناديه بصمت وبدمعه تسلم عليه .... كل مساء ...." سحر " أبنه خالته الوحيدة والمدللة بحب الكل إلا حبه ....!!
قرر قراره هذا وكأن للأقدار قرار أخر ...... فقد استوقفته " سحر " بصمتها وبغموضها .... الغريب .... شعر بقلبه ينبض معها من جديد وأن كان هناك خافق مازال ينبض كمن يتحرى الموت قبل ميعاده ...... شعر وكأنها احتلت جوار الأولى ...... وأن أصبح له مكانين في قلبه ....وبدأت المقارنات تعقد في محكمة قلبه بألم.... وبصراخ وضجيج .... لينتهي به المطاف بتجميد حالهن .... لحينه ...!!
مضت شهور ....قليلة ... ليلاحظ كل من حوله بتغيراته المغايرة لحاله السابق ....و بدأت حياته تتغير تدريجياً..... في خصام داخل كيانه السابق ......حتى بدأت مشاعره تجاه " سحر " تأخذ شكلاً أكثر جدية .. قرر أن ينسى ما مضى , ان يمضي قدما للزواج منها ...... أسعدته هذه الفكرة .. فها هو قد تخلص من عقدته الأبدية .. من حبه الأول!!!

وفي تلك الليلة ...... والكل في انتظارهما ..... وهو في غمرة استعداده لإتمام حفل زفافه ...... قرر أن يغير كل شيء في منزله ...... أن يجعل البياض أول أولوياته .... والأحمر أخر اهتماماته ..... كان ينوي أن ينسى حقاً كل شيء يذكره بالماضي ॥ بدأ يتحرك والكل يتابعه بنظرات تفاؤل ...... في أن يصبح إنساناً جديداً متحرراً من جميع قيوده القديمة !!

وفي تلك الليلة وفي بداية مطلعها .... خطر له أن يتعطر بعطره القوي .... فأخذ يبحث عن مكنوناته .... عن علبة زجاجية .... أخبأها في مكان خاص به ... يدفن فيه أغلى أسراره .... و فجأة سقط من بين يديه دفتر بناتي صغير .... ॥ دفتر يحمل رائحة يحبها بل رائحة يعشقها !!!!

استرقت أنامله بعض من صفحاته بخوف لتسقط وردة ذات اللون القاني .... أحمر اللون خالطه شيء من السود ... وأن كانت ما تزال تحتفظ بداخل اوراقها جزء من لونها الأحمر النقي ... وسقطت عيناه على أحدى أسطرها .... كانت توصل كل مشاعرها ..... وأحاسيسها الرقيقة .... لتعقده بحب وسط خطوط أسطرها الرمادية ..... كتبت له قصيدة ॥ عبرت بإيجاز عن حبها ... وفائها .. تضحياتها !!!

كان لقصيدتها ..... خط رحلة .... رحلة عودة لها ..... إلى حياته من جديد بدون تذاكر ولا أمتعة .... رحلة خفية .... أعادت لقلبه شعوراً لم يكن يستوعبه .... فتسارع نبضه ... وأشتد خافقه الضعيف بألم في جنبه ...... أنها .... هي ...... حبيبته الأولى وقد تكون الوحيدة عادت من جديد!
قرأ ما بين السطور .... قرأ الدفتر .. صفحة تلو الأخرى .. عاش مع ضحكاتها .. دمعتها .. وهيامها ... ألمها .... وحبها الصادق !!
شعر بقلبه قد استفاق من غيبوبته ...... بعد أن ظن أن الأقدار حكمت عليه بالموت .. بعد أن ظن أن الأوان قد حان ليدفن الماضي .. و ينسى من كانت تقاسم روحه .. ينسى من عاش معها أصدق و أحلى أيام حياته .. مع زوجته التي فارقت الحياة !!
مضى الليل وهو يعيد قراءة دفترها الصغير .... ضاكاً وباكياً بامتزاج .... وهو يردد :

قالو لو حبيبك توفي قلت (بالقبر اخاويه) وأكتب على قبري خلن عن (خليله ماتخلى)....
حتى خلد إلى النوم تأركا دمعته دليلا كافياً ...لتتركه "سحر" بعد ان وضعت خاتمها الذهبي فوق دفترها .....!!

( ..... تمت ......)

أحلام وردية مائلة للبياض

on الثلاثاء، 8 فبراير 2011


انشغلت بالكتابة طوال الليل .... تحاول ان تنظم ولو بضع أبيات في مدحه وصفه .... بوزن يتناسب تقاسيمه وقافيته التي تلائم معالمه ...يجسد التفعيلات هيئة الرجولة الكاملة ... ويصور عروضه كرمه وشهامته الأصلية ... على أضرب متنوعة لموافقه بالتضحية والوفاء ... فقد أحتل هو .... تفكيرها ...وسرى في نبض قلبها ... وامتلأ شعورها ببحور أبياتها ॥ليخط داخل احساسها ... ببصمة واضحة على محياها ... كان متمثلاً في عينيها في صورة كبيرة باقيا في عقلها .... يغمر مشاعرها شوقاً ودفئاً ... وفي فؤداها حباً وهياماً ...في داخل روحها بأعمق نقطة ...هو سابحاً فيه بلا حدود أو حصار يحيطه ...يمتد ويعلو كالدخان الهائل وسط الموج الهائج ...وفي لحظة يبقى أقصى الركن الأخر منه ساكناً ...قابعاً ... بوحدته الموحشة .... مستسلماً ... مستلذاً في مده وجزره ....كمنظر الشاطئ الهادئ الذي يدعب تلك النسمة الرقيقة به .... في انسجام تام وبصوت عذب ساحر وسط أضواء طفيفة لامعه .... تحت ماءه الصافي برماله البلورية البيضاء يتلألأ ويتراقص في بؤبؤة العين ....


ومع أول اشراقة صباح يعكس كل روح الحياة .... وينبض الإحساس ويبعث في الروح الشعور بالارتياح ... بهدوء بلا ضخب ...أو ضجيج ... وعندما يحلو الليل بسحر منظره البديعي كل نفس عاشق ويطيب فيه نفس الملتاعة بالأشواق .... فيمل البحر بلونه الغامق ... وقد انتصف في بطنه صورة لنصف قمر بدري .... ليسطع ضوءه على صفحة البحر بلونه الفضي ... صورة طبق الأصل .... حتى لتخدع عين الناظر بأنه كامل الاستدارة .... مطابق لوضعه كان كل هذا في داخل عقلها الباطن يصور لها .... روعة الحياة بلحنها الخالدة .... ولذلك لم تنتبه إلى صوت أمها المتعبة قائلة :
- هيلة .... هيلة ....
- أه ... نعم أمي ( قالت هذا وهي تطبق دفترها وتخبأه عن عينا والدتها )
- اذهبي وأطلبي أباك حالاً ..... فالألم لا يطاق ... ولا طاقة لي بالصبر اكثر ..أرجوك ...
- أستلدين هذه الليلة يا أمي ....!!
- أنني أشعر بالألم ....... اسرعي ..... أسرعي الآن بطلب أباك ....
- حسناً .... الآن سأذهب ...
وبالفعل كانت الأم تزداد صرخاً وتوجعاً بينما زاد اضطرابها وقلقها بها ... حادثت أباها ....سريعاً ...أتى على أثرها بعجل .... ونقلها إلى أقرب مستشفى ... بينما بقيت هي وأخيها الصغير فيصل في المنزل ... والرعب يملأ كيانه ... فرع لحالة أمه ...... خائفاً بما سيحصل لاحقاً .... أخذ يتطلع لأخته قائلاً :
- أين أمي ..... أين أبي .... المكان مخيف ..... أأني خائف ....
واخذت عيناها تغرقان بالدموع ... دموع الخوف من المجهول .... تطلعت نحوه والخوف يعتصر قلبها الصغيرة .... والتي لم تجد إجابة لأخيها ... فأخذت تبحث بدفتر العناوين أرقام وهواتف دونت منذ زمان لبعض المعارف وهي تقول :
- أمي ستحضر لنا أخت .... أمي ستحضر لنا أخت ...لا تخاف .... ستأتي .... وأبي كذلك ...
بينما هي لم تستطع أن تتحمل الخوف الذي سكن المكان بهدوء ما عدا بعض تنهدات من أخيها الصغير الذي يعج المكان صدى مخيف .... فأسرعت بعد أن وجدت رقم عمتها في مهاتفتها .... لتأتي هي وزوجها إلى منزلهم .... فبقيت معهم ترجو السلامة لوالدتها لحظات سرت حتى هاتفهم والدهم ليخبرهم بأنها قد انجبت بنتا جميلة ... وأنها في غاية النعومة والرقة ... عم الفرح والبهجة بهم ....لقدوم المولودة وأرادت أن ترأها .... ولكنها لم تستطع إلا في اليوم التالي كما أخبرها والدها ........ ليلتها أخذت تتصور ملامح أختها الصغيرة .... وكيف هي ...... و أخرجت من دولابها فساتين قصيرة .... وبعد الأغراض الخاصة للمولودة .... تطلعت بأكمامها .... وجواربها ..... وبعض من أحذيتها ........ أخذت تتلمس مواضعها ....... بكلتا يديها الصغيرتان .........ليلتها ... أسرت الصغيرة قلبها سريعاً ليتوغل بها أحساس غريب نحوها
وفي اليوم التالي ... أسرعت لترأها ..... وحاولت أن تضعها في حضنها الصغير ...... بينما لا شعورياً أخذت بتلمس أناملها الصغيرة بكلتا يديها ... وتطلعت بعينيها ملامحها الجميلة ....... وتبسمت لها بسعادة ...حينها بكت ورجت أباها أن يسميها لطيفة ... وعاهدت أمها بأن توليها عنايتها ولما سمحت لها البقاء في حضنها و بحملها ..... احتضنتها بين ذراعيها لتشعر أنها ملأت فراغاً سكنها طويلاً ....... تشعر بضعفها ...... وبقلة حيلتها .... ويصغر حجمها .... قبلتها كثيراً ..... واحتضنتها طويلاً ...لا تعلم لما احبتها بهذا القدر ..... ولم تعلم لما كل هذه المشاعر نحوها .... حتى بعد أن انقضى سبعة أيام على ولادتها وموعد خروج والدتها ..... تتفاجأ يومها عندما أخبرهم الطبيب بوفاة والدتها فجراً ...... بكت طويلاً .... وهي تحتضن " لطيفة " ........ رثت لحالها كثيراً ... كانت تنام بعد أبره المهدات .... وتفيق من أغماء إلى سهاد ..... تغير حالها . وتبدل كثيراً .... فاحتضنت اختها لطيفة ... وهي تنظر إليها بابتسامة عذبة ...و بالبراءة الطفولة ..... لو كانت تعلم ماذا حصل وما حل بها لما ضحكت ولما تناعت بأصوات جميلة ..... بل ربما بكت ..... من اعماقها ... احتضنتها بقوة وسال دموعها بغزارة ...... وهي تحادثها بهمس لتعلمها بوفاة والدتها .... أخذت تترجاها إن تسمح لها ....أن تحس بها.... لكنها كانت تلهوا مع نفسها غير مبالة لما يجري حولها .. صرخت واطلقت العنان لعينيها ..... وفجأة دخلت أمها وهي تحتضنها قائلة :
- أبنتي .... هيلة ...هيلة ما بك ...أأنت بخير ....!!!؟
توقفت فجأة لترأها بجوارها بعد أن ضغط جزء منها ببطنها المنتفخ بشدة ....فنظرت لما بين ذراعيها لتجد وسادتها وقد بللتها بدموعها ..... الغزيرة ... ظلت برهة من الوقت لتستوعب ما حصل لها ثم هاتفت أمها برجاء وخوف :
- أمي ....ألم يحن موعد ولادتك بعد !!
- أأأأأه .. يا أبنتي .......... مازال هناك اسبوع أخر ... هكذا قالت لي الطبيبة ...
- أمي ....... عندما تلدين أرجوك ...خذيني معك إلى هناك ....أرجوك ....خذيني ....معك إلى هناك ...أرجوك لا تدعيني ....
نظرت إليها بحنان ثم قالت بعد أن احتضنتها :
- حبيبتي .....لا تقلقي ... سآخذك معي أنت وأخيك فيصل ..
ولكن أبي ...... ( قاطعتها قائلة بود ):
- لا تخشي شيئا فهذا وعداً مني لكما ....
بكت حينها واحتضنت أمها طويلاً وهي تمرر يدها الصغيرة على بطن أمها وتهمس بعاطفة صادقة لتقول :
- أنني أنتظر هذا بفارغ الصبر ...
( ......... تمت .........)

ضاعت حروفي

on الثلاثاء، 25 يناير 2011


ما زلت ابحث عن قلمي الازرق .... بين اوراقي ووسط كتبي ومجلاتي .... بحث عنه ... قلمي المميز .... لكم يكن كأي قلم .... بل هو قلم خاص ... قلم من شخص عزيز جداً على نفسي ..... قلمي الأزرق الامع بخطوطه الفضية ... أغلى هدية حصلت عليها في حياتي ....... مميزة بقدر ما تميزت به يومها ... أأأأأأأه .... لقد وجدت الحفاوة والتقدير في كل من سمع عني يومها .... ولكل من صافحني وألتقى بي ليعبر عن أعجابه بما خطت به قلمي وبما سطرت كلماتي .... لم يكن قلمي بل كان هو .... قلمه هو ... بل قلبه ....
" أيتها الدكتورة .... أيتها الشاعرة "
ألتفت نحو مصدر الصوت .... لقد كانت أحدى المشرفات القاعة تلحق بي .. أجبتها وبي ابتسامة رقيقة :
- حياك الله يالغالية !! تفضلي ...
- هذا بريد مرسل من البوابة الرئيسية ....... بشكل عاجل إلى مكتبك ... سقطت عيني على المظروف لأجد اسم مذيل فيه بالخط العريض وبالقلم نفسه !!
يا ألهي ....... أنه هو .... نعم أعرف خطه ...... ولون حبره ........ أما زال يتذكرني ..... لا انكر وقتها أنني حاولت أن أتمالك نفسي أمامها وعيناي تترقص طربا ولهفة بأطرافي لانتزاع ما بيدها ...... حملته وضممته إلى صدري .... لفترة تطلعت لي .... فأخفضت عيني حياء وخجلاً وشكرتها بعمق لتنسحب بهدوء بعد ان ترسم على ملامحها علامة استفهام تكاد أن ترسم ما بين عاقديها
أغلقت الباب خلفها بسرعة .... وحملت المظروف بعد أن شممت رائحته .....لتعود بي الذكريات الجميلة ........ والمواقف الرائعة .... والتي خلدتها داخل أدراج الزمن في قلبي ....... لم أنسه يوماً ولم أتجافاه ....... لم يكن بيدي فعل شيء ..... أحبه بجنون ...... وبدرجة أكاد أفقد فيها صوابي ....... ولكن لا استطيع البوح له ........ لذا كتبت يومها قصيدة كانت أول قصيدة لي ...... لم تكن تحمل ذلك المعاني البلاغية لتأتي بي الخبر اليقين .........طول الفترة كنت أختبئ ما بين اوراقي ..... لأكتب ..... وأكتب الكثير عنه ... وتسمحه دموعي في نفس الليلة .........يا لها من أيام ولت كادت ان تقضي علي ........ وتقتلني ......ما كان بيدي سوى القصيدة التي كتبتها بقصد في بداية مقدمة بحثي ...... ومن هنا كانت الشرارة الأولى ...... في حياتنا ......... نقطة التحول لكلينا ..... قصيدة لم تكن تحمل ذلك الاسلوب المفتن ...... ولكن ما خططتها كان من الصعب أن يتجاهله ..... او حتى يعتبره قصيدة منقولة لغرض البحث .... بل كنت قاصدة ...... وتعمدت لذكر مواطن الألم في قلبي ....... وحرقة اشواقي له ....... فوجدت إجابة ...... قلبت لي موازين عمري ...... لم استوعب مما كتب يومها ......... ولكنني أتذكر وبوضوح أنني رسبت بالمادة و كنت على وشك التخرج ........ لم أرسب قط بدراستي للجامعة .... كان ذاك ردأ واضحاً وجازم ...... وحقيقية ....... مؤلمة للغاية ..... لم اتصور أبداً ...... أنه سيفعل هذا بي ....... لم استطع شكواه ...... لم استطع البوح...... بقيت مذهولة لعدة أيام ....... حتى حينما بدأت الدراسة للعام الجديد ....... كنت اشد ألماً ... فقد أضاع لي فرصة التخرج ....... وقبلاً فرصة حبي ...... كما أنني أصبحت أحٌضر من أجل المادة نفسها ....... وكل يوم اشعر بالمرارة ....... وبغباء تصرفي ..... لا أعلم كيف جمعت يومها أحقاد العالم عليه ....... وثرّت للانتقام منه ..... وأقسمت بالويلات عليه ...... بعدما رفضت فكره رسوبي وعودتي للجامعة من أجل هذه المادة ......... وفي يوم ..... أخرج جميع الطالبات وطلب مني البقاء..... وقال بصوت يمازجه شيء من الارتياب ....... :
- انتظري .... أريد مناقشتك بخصوص البحث ..........!!
فجأة ......لا أعلم كيف هرولت الأحقاد من اعصابي كالرمل الذائب على شط البحر .... وتسارعت نبضات قلبي لدرجة أنني أكاد أسمع صدى صوتها داخل أذناي ....... يومها لا أعرف كيف ابتل وجهي بماء ساخن ..... وترجفت أناملي لأسقط بعض من أوراقي التي كنت احملها ... بينما تشتت نفسي وضاعت حروفي دون ان انطق بكلمة .......
حينها سرى بداخلي شيء غريب كماء بارد أثلج صدري بشكل سريع حينما قال لي :
- لم تكوني مهملة لترسبي .... ولم تخنك الدرجات لتعيدي الفصل !!
وودت وقتها بأن اصفعه بشكل جنوني وعلى نحو متكرر لأشعره بمدى ألمي طول الفترة وصدمتني يومها بنتيجة الرسوب لكن ما حدث أنني هدأت وجلست بأقرب مقعد أنتظر منه التفسير المبهم !!
فتطلع نحو الشاشة كأنما هو أمامي واقعا .......... وقال :
أتتزوجينني !!!!!!!!!!
وقفت فجأة وأنا أكاد أنتفض من شدة الصدمة .... ما الذي يقول ..!! أنه مجنون ... مجنون .... شعرت بالخوف ينفجر بين أضلاعي .... وحاولت الخروج بعد ان تعثر على مقاعد كانت حولي مبعثرة بائسة ... لحالي ... فارتفع صوته ليقول :
انتظري ... لحظة .... لا تذهبي .... يا صاحبة القصيدة النونية
توقفت للحظة دون أن أعلم ما الذي سأفعله ولساني حالي قد عقده الرهبة ....
فأخذ يقول مرة أخرى :
أرجوك ألتقطي سماعة الهاتف أن ما زلتي موجودة !!
هناك وضعت لك المشرفة علبة أرجوا أن تلقي النظر عليها ...!!
اخذ يكررها حتى وجدت نفسي أقلب العلبة المستطيلة ذات حواف حديدية مذهبة وأنا التقط السماعة لأضعه في اذني ليأتيني صوته بشكل ألم قلبي ... : أكاد أسمعك أنفاسك .... أعلم أن الامر صعب بالنسبة لك ..... لكن انا جاد بالأمر لهذا اريدك ... أحتاجك ... أحبك ...!
ألقيت بالسماعة الهاتف وخرجت يومها وأنا أبكي بحرقة ..... لا أعلم ...... أن كنت ما فعلته هو الصح أم أنني فقدت صوبي حينما اطلعني بحبه ......
منذ متى ...... وقلبي كالطير الضائع يطير بحثا عن عشه المفقود ........ وحينما وجده .... وجد عشه ..... كانت مجرد أغضان صغيرة تحيط بالعش التالف ....
ألم يعد للحب مكاناً لقلبي ..... أيعقل نسيته .... أم الحقد علمني مسح أروع ما لامسه قلبي من شعور لا يفهمه سوى من كان به مرض الجنون .........
تغيبت لأيام عن الجامعة ...... وبعدها اعتذرت عن الفصل الدراسي بالكامل ...... لأعود في السنة الثانية ...... بفصلي الأخير ..... وبنفس مشهدي القديم ...... طالبة لنفس المادة ....... ولكن مع دكتورة سعودية ... تخرجت حديثاً من الجامعة لتنال حصتها النسوية في الحرم الأكاديمي .... حقيقة كان أروع فترة درست فيها و يا ليت أن الجامعة لم تجعل مقرراتنا عن طريق الشبكة التلفزيونية .... حيث ضحايا الحب العذري ... والتافه .... لأبعد ما يكون .....
لهذا وبفضل من الله تخرجت من الجامعة وبمساندة الدكتورة أصبحت شاعرة ... كما أنها كان لها الفضل في تخريج اديبات وصحفيات وشاعرات تلقين على يديها سلاسة الآدب واللغة والبلاغة وجمالية التعبير ...... ما زلت حتى الأن على تواصل بها ...... أنها فعلا انسانة رائعة بكل ما تحمله الكلمة و يا ليتها أتت قبل هذا بكثير .... اخرجت القلم ...... القلم نفسه بعد ان ضحكت بشكل عفوي حينما تعود بي الذكريات سريعا لما حصل ...... وأكتب قصيدة غزلية ... وتبعتها بقصيدة حماسية ..... ومن ثم ختمتها بقصيدة الأم ...
نظرت إلى المظروف .... فأبتسمت بعد أن عضتت بطرف اسناني أحدى شفتاي لأ اقرأ ما دونه لي :
" من الدكتور صالح ( ابو حازم ) ...إلى الشاعرة والدكتورة نورة .... صاحبة القصيدة النونية .... ( ام حازم) "
فقبلت اسمه وأنا احتضن اول كتابي الشعري بعد ان دفنت فيه قلمه .. قلم ابو حازم .....
" ........ تمت ......"