قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

ضاعت حروفي

on الثلاثاء، 25 يناير 2011


ما زلت ابحث عن قلمي الازرق .... بين اوراقي ووسط كتبي ومجلاتي .... بحث عنه ... قلمي المميز .... لكم يكن كأي قلم .... بل هو قلم خاص ... قلم من شخص عزيز جداً على نفسي ..... قلمي الأزرق الامع بخطوطه الفضية ... أغلى هدية حصلت عليها في حياتي ....... مميزة بقدر ما تميزت به يومها ... أأأأأأأه .... لقد وجدت الحفاوة والتقدير في كل من سمع عني يومها .... ولكل من صافحني وألتقى بي ليعبر عن أعجابه بما خطت به قلمي وبما سطرت كلماتي .... لم يكن قلمي بل كان هو .... قلمه هو ... بل قلبه ....
" أيتها الدكتورة .... أيتها الشاعرة "
ألتفت نحو مصدر الصوت .... لقد كانت أحدى المشرفات القاعة تلحق بي .. أجبتها وبي ابتسامة رقيقة :
- حياك الله يالغالية !! تفضلي ...
- هذا بريد مرسل من البوابة الرئيسية ....... بشكل عاجل إلى مكتبك ... سقطت عيني على المظروف لأجد اسم مذيل فيه بالخط العريض وبالقلم نفسه !!
يا ألهي ....... أنه هو .... نعم أعرف خطه ...... ولون حبره ........ أما زال يتذكرني ..... لا انكر وقتها أنني حاولت أن أتمالك نفسي أمامها وعيناي تترقص طربا ولهفة بأطرافي لانتزاع ما بيدها ...... حملته وضممته إلى صدري .... لفترة تطلعت لي .... فأخفضت عيني حياء وخجلاً وشكرتها بعمق لتنسحب بهدوء بعد ان ترسم على ملامحها علامة استفهام تكاد أن ترسم ما بين عاقديها
أغلقت الباب خلفها بسرعة .... وحملت المظروف بعد أن شممت رائحته .....لتعود بي الذكريات الجميلة ........ والمواقف الرائعة .... والتي خلدتها داخل أدراج الزمن في قلبي ....... لم أنسه يوماً ولم أتجافاه ....... لم يكن بيدي فعل شيء ..... أحبه بجنون ...... وبدرجة أكاد أفقد فيها صوابي ....... ولكن لا استطيع البوح له ........ لذا كتبت يومها قصيدة كانت أول قصيدة لي ...... لم تكن تحمل ذلك المعاني البلاغية لتأتي بي الخبر اليقين .........طول الفترة كنت أختبئ ما بين اوراقي ..... لأكتب ..... وأكتب الكثير عنه ... وتسمحه دموعي في نفس الليلة .........يا لها من أيام ولت كادت ان تقضي علي ........ وتقتلني ......ما كان بيدي سوى القصيدة التي كتبتها بقصد في بداية مقدمة بحثي ...... ومن هنا كانت الشرارة الأولى ...... في حياتنا ......... نقطة التحول لكلينا ..... قصيدة لم تكن تحمل ذلك الاسلوب المفتن ...... ولكن ما خططتها كان من الصعب أن يتجاهله ..... او حتى يعتبره قصيدة منقولة لغرض البحث .... بل كنت قاصدة ...... وتعمدت لذكر مواطن الألم في قلبي ....... وحرقة اشواقي له ....... فوجدت إجابة ...... قلبت لي موازين عمري ...... لم استوعب مما كتب يومها ......... ولكنني أتذكر وبوضوح أنني رسبت بالمادة و كنت على وشك التخرج ........ لم أرسب قط بدراستي للجامعة .... كان ذاك ردأ واضحاً وجازم ...... وحقيقية ....... مؤلمة للغاية ..... لم اتصور أبداً ...... أنه سيفعل هذا بي ....... لم استطع شكواه ...... لم استطع البوح...... بقيت مذهولة لعدة أيام ....... حتى حينما بدأت الدراسة للعام الجديد ....... كنت اشد ألماً ... فقد أضاع لي فرصة التخرج ....... وقبلاً فرصة حبي ...... كما أنني أصبحت أحٌضر من أجل المادة نفسها ....... وكل يوم اشعر بالمرارة ....... وبغباء تصرفي ..... لا أعلم كيف جمعت يومها أحقاد العالم عليه ....... وثرّت للانتقام منه ..... وأقسمت بالويلات عليه ...... بعدما رفضت فكره رسوبي وعودتي للجامعة من أجل هذه المادة ......... وفي يوم ..... أخرج جميع الطالبات وطلب مني البقاء..... وقال بصوت يمازجه شيء من الارتياب ....... :
- انتظري .... أريد مناقشتك بخصوص البحث ..........!!
فجأة ......لا أعلم كيف هرولت الأحقاد من اعصابي كالرمل الذائب على شط البحر .... وتسارعت نبضات قلبي لدرجة أنني أكاد أسمع صدى صوتها داخل أذناي ....... يومها لا أعرف كيف ابتل وجهي بماء ساخن ..... وترجفت أناملي لأسقط بعض من أوراقي التي كنت احملها ... بينما تشتت نفسي وضاعت حروفي دون ان انطق بكلمة .......
حينها سرى بداخلي شيء غريب كماء بارد أثلج صدري بشكل سريع حينما قال لي :
- لم تكوني مهملة لترسبي .... ولم تخنك الدرجات لتعيدي الفصل !!
وودت وقتها بأن اصفعه بشكل جنوني وعلى نحو متكرر لأشعره بمدى ألمي طول الفترة وصدمتني يومها بنتيجة الرسوب لكن ما حدث أنني هدأت وجلست بأقرب مقعد أنتظر منه التفسير المبهم !!
فتطلع نحو الشاشة كأنما هو أمامي واقعا .......... وقال :
أتتزوجينني !!!!!!!!!!
وقفت فجأة وأنا أكاد أنتفض من شدة الصدمة .... ما الذي يقول ..!! أنه مجنون ... مجنون .... شعرت بالخوف ينفجر بين أضلاعي .... وحاولت الخروج بعد ان تعثر على مقاعد كانت حولي مبعثرة بائسة ... لحالي ... فارتفع صوته ليقول :
انتظري ... لحظة .... لا تذهبي .... يا صاحبة القصيدة النونية
توقفت للحظة دون أن أعلم ما الذي سأفعله ولساني حالي قد عقده الرهبة ....
فأخذ يقول مرة أخرى :
أرجوك ألتقطي سماعة الهاتف أن ما زلتي موجودة !!
هناك وضعت لك المشرفة علبة أرجوا أن تلقي النظر عليها ...!!
اخذ يكررها حتى وجدت نفسي أقلب العلبة المستطيلة ذات حواف حديدية مذهبة وأنا التقط السماعة لأضعه في اذني ليأتيني صوته بشكل ألم قلبي ... : أكاد أسمعك أنفاسك .... أعلم أن الامر صعب بالنسبة لك ..... لكن انا جاد بالأمر لهذا اريدك ... أحتاجك ... أحبك ...!
ألقيت بالسماعة الهاتف وخرجت يومها وأنا أبكي بحرقة ..... لا أعلم ...... أن كنت ما فعلته هو الصح أم أنني فقدت صوبي حينما اطلعني بحبه ......
منذ متى ...... وقلبي كالطير الضائع يطير بحثا عن عشه المفقود ........ وحينما وجده .... وجد عشه ..... كانت مجرد أغضان صغيرة تحيط بالعش التالف ....
ألم يعد للحب مكاناً لقلبي ..... أيعقل نسيته .... أم الحقد علمني مسح أروع ما لامسه قلبي من شعور لا يفهمه سوى من كان به مرض الجنون .........
تغيبت لأيام عن الجامعة ...... وبعدها اعتذرت عن الفصل الدراسي بالكامل ...... لأعود في السنة الثانية ...... بفصلي الأخير ..... وبنفس مشهدي القديم ...... طالبة لنفس المادة ....... ولكن مع دكتورة سعودية ... تخرجت حديثاً من الجامعة لتنال حصتها النسوية في الحرم الأكاديمي .... حقيقة كان أروع فترة درست فيها و يا ليت أن الجامعة لم تجعل مقرراتنا عن طريق الشبكة التلفزيونية .... حيث ضحايا الحب العذري ... والتافه .... لأبعد ما يكون .....
لهذا وبفضل من الله تخرجت من الجامعة وبمساندة الدكتورة أصبحت شاعرة ... كما أنها كان لها الفضل في تخريج اديبات وصحفيات وشاعرات تلقين على يديها سلاسة الآدب واللغة والبلاغة وجمالية التعبير ...... ما زلت حتى الأن على تواصل بها ...... أنها فعلا انسانة رائعة بكل ما تحمله الكلمة و يا ليتها أتت قبل هذا بكثير .... اخرجت القلم ...... القلم نفسه بعد ان ضحكت بشكل عفوي حينما تعود بي الذكريات سريعا لما حصل ...... وأكتب قصيدة غزلية ... وتبعتها بقصيدة حماسية ..... ومن ثم ختمتها بقصيدة الأم ...
نظرت إلى المظروف .... فأبتسمت بعد أن عضتت بطرف اسناني أحدى شفتاي لأ اقرأ ما دونه لي :
" من الدكتور صالح ( ابو حازم ) ...إلى الشاعرة والدكتورة نورة .... صاحبة القصيدة النونية .... ( ام حازم) "
فقبلت اسمه وأنا احتضن اول كتابي الشعري بعد ان دفنت فيه قلمه .. قلم ابو حازم .....
" ........ تمت ......"