قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

حديقة المنزل

on الخميس، 20 أغسطس 2009




كنت في سن المراهقة عندما خرجت نحو الحديقة المنزل .. لم تكن لدي أدنى معرفة لوجوده آنذاك . .. كنت أريد الترويج عن نفسي قليلا فقصدت أزهاري النرجسية التي زرعتها منذ فترة ليست قصيرة ..
سرت بهدوء يحيطني السكون والوداعة على محياي ... أردت أن أكون بسيطة مغايرة عن كل يوم لذا فقد كسرت روتين حياتي اليومي فارتديت قميصي القطني على البنطال الجينز .. أبدو طبيعية ... أرخيت عن شعري رباطه لبقية ينطلق بحرية كاملة .. كما كنت اشعر به ....
لدى رغبة كبيرة في أن أستمتع بحريتي المطلقة جلست بقرب إزهاري أخذت أتحسس رقتها وروعة جمالها ... بحنان قلبتها دون أن اشعر فسرى في أنفاسي عطرها السحري .. شعرت بنشوة غريبة فاحتضنتها وأنا أمررها بعذوبة على خدي الوردي ...
وبينما أنا هكذا منسجمة مع لحن الطبيعة وصفائها إذ به يقترب مني بهدوء ليهمس لي في ود طاغ:
تبدين رقيقة كنسمة الصباح ...
وما أن تطلعت عليه إذا هو خطيب أختي قد أتى لزيارتها اليوم ... أنصدمت شعرت بأحرج كبير لبساطة هيئتي وافتقاري لأبسط مقومات الأناقة والدلال .. تقوصت في مكاني وفي استحياء يلفه الرقة رحبت به :
أهلا فيصل ... كيف حالك .. عجيب أنني لا أرى أحد من أسرتك هنـُا ..؟؟!
ابتسم في خجل وتردد ثم هتف ببساطة :
لا داعي لقدومهم ها هنـا .. فأنا أردت رؤية أختك والتحدث إليها :
حينها كانت قد خرجت متطيبة بعد أن أخذت كامل زينتها إليه ... كدت أن أختنق خجلاً فأستاذنت منهما بالانسحاب في رقة واحترام ... وما أن أتت إليه حتى احتضنته في عذوبة لتسحبه إلى الأرجوحة الحديقة .. لكنني شعرت بنظراته المسترقة إليّ بين كل آونة ...
بقيت إلى جوار أحواضي الزهرية . أتأملها مليا ... ولكنني كنت سارحة بفكري إلى شيء لا وجود له ... شيء خفي .. لا اعرف ما هو ..؟؟
ولكنني رأيت هذا من بين عينيه .. أهو رسالة الجسد يبعثها إليّ أم ماذا ...؟؟؟
شيء في نظراته تفسر الكثير ربما مودة أو تعاطف ..... ربما حنان وأخوة ... ولكنني لا أعلم ما هو ..بالتحديد .. لذا سرت إلى داخل المنزل في شيء بلا مبالاة وأنا استمع لضحكاتها ونشوة سعادتها في وجوده أرجعت الأمر أنه إحراج فقط ...شعرت به لذا دلفت إلى حجرتي .. وأنا شبه غارقة بالوهم .. لا اعرف ماذا جرى ولكنني أخذت أحلم به وكأنه صورة لفارس أحلامي .. وشيئاً فشيئاً حتى سرحت إلى ما أبعد من الخيال ...لأرسم على ضباب الوهم مملكة حبيُ ومن صورة السراب فارس أحلامي .. ومن أغبرة خيالي كان قدومه إليّ فوق صهوة جواه الأبيض سريعاً يتطاير حصوات نبضي ورمال عشقي خلفه في هيام ... هكذا بدأ لي الحلم رومانسي رائع لأبقى أتتأمل حضوره وما أن يأتي حتى يحتضنني ويأخذني إلى عالم غامض بعيد عن هذا الكون ...ولكنني فجأة وجدت نفسي بين جداران أربعة تحوم حولي الصور وشيء من أغراضي الخاصة ...شعرت بالفراغ في داخلي حينها ... لما لا يحدق هذا معي ... كما يحدث هذا الآن ...مع أختي .. أخذت أفكر بالطريقة المناسبة لفعل هذا فما وجدت غير أبن عمي " سلطان " الشاب المتعلم المثقف الجامعي .. هو الأنسب لي ... صحيح أنه يكبرني بخمسة أعوام ولكنه الأقرب إلى سني ... بدأت أخطط بطريقة كي يأتي إلينا فأريه أجمل ما لدي ...ليتكرر زيارته إلينا كثيراً ... حتى يقع في حبي ويتوج نهاية حُبنا بزواج بعضينا ... يااااه.... كم كان حلماً سطحياً ... لفتاة في السابعة عشر من عمرها ... لم ترى الدنيا على حقيقتها .. ولم تتفحص لغة العيون على واقعها ... لذا بدأت ... أسرح بفكري طويلاً عليه ... حتى هاتفت عمي ذات يوم .. وطلبت منه المجيء مع أسرته دون أن يتخلف عن الحضور احد منهم ...لبى طلبي مسرورا ... وحينما أتى مع العائلة كلها تشوقت لرؤيته فلبست أجمل ما لدي ... لبست فستاني السماوي الممزوج بالبيض ...وسرحت شعري وأسدلته كستار الليل المظلم بالسواد .. وزينت أذاناي بأقراص حلق فضي اللون ليضفي لي سمة الرقة والنعومة الكاملة ... وحينما أتيت إليهم .. و بي شوق لنظر إليه وتساؤلات تدور في مخيلتي ( أن كان يعجب بي .. هل أعجبه بشكلي ولون شعري ... هل سيتّوق للنظر إليّ مرة أخرى لو رآني الآن بهذا الشكل المبهر ) وما أن اقتربت إلى أخته " نورة " حتى سألتها بعفوية : جيدا أن جميعكم قد حضر ... هذا يسعدني حقاً
فأجابت لي : صحيح ماعدا أخي سلطان فأنه لم يحضر بل فضل البقاء في المنزل ...
حينها أنصدمت وصرخت بها فجأة دون أننتبه لردة فعلي هذا وأنا أقول :
ماذا ....لم يأتي ....لماذا ...؟؟
بقيت فترة مندهشة من ردت فعلي ...فما من عادتي فعل هذا فتداركت ببراعة وخفة وأنا أحاول أخفاء توتري ... :
أقصد لما لم يأتي ... إنني أعدت لكم مفاجأة سارة ... ولا أريد أحد أن يتغيب عنها ..!!!
هتفت أخته نورة ببرودة أثار أعصابي قليل :
أي مفاجأة لم يخبرنا أبي بهذا ...!!
شعرت باختناق قليلاً من إجابتها ... فأردفت بعصبية :
لقد صنعت الطعام بنفسي وأريد منكم أن تتذوقونه .. كنت أريد رأيكم به جميعا ..!!
حينها انفجرت بي ضاحكة وهي تردد :
أمن أجل هذا دعوتنا أم ماذا ... على كل حال لا بأس يا عزيزتي .. سأقول رأيي فيه حينما أتذوقه ... كدت أن أختنق بقولها .. فصمت وحاولت أن أتمالك أعصابي أمامها ..كي لا تنفلت بقوة .. كدت أن أحطم أسنانها من شدة ضحكتها بي ...ولكنني كتمت غيضي لا توارى من أعينهم جميعا إلى المطبخ في شبة انهيار لفشل الخطة منذ بدايتها ... وما أن دلفت حتى فوجئت به .. خطيب أختي " فيصل " يسترق النظر إلى ما دخل القدور بقيت فجأة مشدوهة أحاول استيعاب ما أراه أكان موقفاً هزلياً منه أم مجرد فضول طاغ عليه .. نظرا إليّ فأحمر وجنتاه خجلاً ثم هتفت بإحراج كبير وهو يتصنع المرح :
عذراً ... لقد ألمتني المعدة من شدة الجوع فأرادت أن أذيقها شيئا يسيراً لحين موعد الغذاء وما أن انتهى حتى بقيت فترة استوعبت لما يجري أمامي فتبسم وهو ينظر بتوتر ملحوظ فأقترب أكثر ليهمس لي بعد إن ربت علي كتفي :
الواقع أن الطعام به رائحة مميزة مثلك تماماً وأن قال هذا حتى أخذت أختي من الخارج ... تناديه باحثة عنه فخرج مستأذنا برقة ولطف رقيق بقيت لحظات دون أن أعي ما لذي فعلته سحرتني كلماته وصوته العذب ... بل إن ملامسته لي جعلتني أسبح إلى أعمق المحيطات ... عالم من الغموض اعتراني حينما اقترب مني وكأنه يرسل لي المعنى الحقيقي وراء كلماته الإيقاعية ... عدت إلى الأطباق لأرى أكان ما قال عنه مطابقا أم مجرد مجاملة لطيفة منه .. لأجد شيئا يثير كل هذا الاهتمام ... لذا شككت في نفسي بأنني أختلف أوهام لا معنى لها ...وشيئا لا وجود بها ... قمت بتحضير الشاي وما أن انتهيت حتى قدمت إليهم الكل منبسط ومنشرح الصدر في مكانه خصوصاً عند التجمعات العائلية بذات تحدث نكهة خاصة لا تنسى فأخذت بتوزيع فناجين الشاي .عليهم .... وما أن اقتربت منه حتى وقف ليتناوله مني وهو يهمس بي بصوت رقيق :
حتى الشاي له مذاقه الخاص منك ...
سرت من جواره حتى دس لي شيئا غريبا شعرت به .. تصرفاته بدت مريبة لهذا اليوم وما أن سار اليوم كله على ما يرام حتى عدت إلى حجرتي ... تذكرت بوضوح حينها ماذا افعل ...أفرغت ما كان في جيبي وبالمفاجأة ...
صورته وبأسفلها رقم هاتفه ... ماذا يظن نفسه ..؟؟
أهو مجنون أم معتوه ... ما الذي يرمي إليه ...؟؟
ماذا يقصد بفعله هذا ...؟؟؟ لم يكن لدي شيئا لأقوم به سوى الاتصال عليه وبالفعل أدرت رقم الهاتف ليأتيني صوته العذب قد زاد عذوبة وكلماته الحانية قد زادت ولعاً ورقة ... ما كان ليثير مخاوفي هو إعجابه بي ...
لدرجة أنه واقعاً في حبي ... وهاهو يطلب مني أن إبداله ذات الشعور .. وتلك المحبة العشواء ... جننت كيف بي أفعل هذا ... زوج أختي المستقبل ... وحبيبها الحالي يرغب بي دونها ... عجيب أمر الرجال .. لذا فقد نهرته وصرخت به ... إلا يفعل هذا ثانية وإلا أعملت أختي بهذا ...ليأتي إجابته الشافية كخنجر قد سم نصله في قلبي ... بأنه سيتركها وسيفسخ الخطوبة منها ليتقدم إليّ خاطباً ... أتراه جن أم ماذا ... أحصل لعقله ارتجالا أم بدون إن استوعب لما يجري بكل قهر وألم " مستحيل ... مستحيل " ما ذنب أختي بعد كل هذا ..؟؟
أتهيم به ليل نهار وتحلم بموعد الزفاف لتطير معه إلى عالم يملئه الحنان والحب وأروع لحظات السنين ... كلا ...لا يمكن ... لن أفعل هذا بها ... ولا يمكنني خيانتها ... بحبيبها ... الوحيد الذي زرع في قلبها وردة الأمل والمحبة ...والعطاء ... والنقاء ... لتحمل ثمرة حبها ... كل ليلة .. فتسقيها من دموع العشق والهيام .... كلا ... أنها خيانة كبرى أن أقابل تلك الثقة بهذا العمل ..مستحيل ...أنه قتل لحياة إنسانة عاشت أروع لحظات الحب والغرام لن أسرق قلب حبيبها لأمتلكه طول عمري .. لن أبني عش الزوجية فوق أشلاء انهيارها ودموع حزنها ...لن أربي أبنائي على أروع المعاني بينما بدأت حياتي با سوء ما ينعت عليّ كلا ... أنه جور ... وظلم ... وحرمان لسعادة أختي ... أغلقت الهاتف في وجه فأجده يعيد الاتصال مراراً بي لكنني عشت لحظات صراع مستميت مابين الحق والباطل والحب والحياة .. والألم والفراق .. وما أن أتي الصباح حتى سمعت عويل أختي ونحيبها .. أدركت ما قام به .. كان أفضع أحساس اعتراني طوال حياتي .. شعور بالحنق يعتصرني كلما تذكرته مزقت صورته التي تخفي أقبح المعاني التي ترتفع الكلمات عن وصفها له ...بل تتلاشى الأحرف عن ذكر اسمه ... شتت كياني ...ألهمني شعور بالذنب القاتل لتعاسة حياتها منذ البداية ما ذنبها ... القلب وما يهوى ... فعلاّ هاهي تبكي بحرقة فراقه .. وتناشد حلمها الضائع بعد أن أستغرق في بناء ليال عديدة .. أدركت حجم معاناتها .. وألمها .. ولكنني كنت السبب الرئيسي لطعن قلبها النقي ..المنزل كئيب ... صامت ... سكون يسري في الأرجاء ليخيمه الحزن والعذاب ...وصوت نحيبها بعلو حنيناً ويرحل حينها كلما ودعت أخر صوره العالقة في عقلها ..لم أجد شيئا لأصنع لها !!
حسرة تكاد تفطر قلبي حزنا بها ... خرجت إلى حديقة المنزل بآلامي وعذاباتي .. مسكينة لا تعلم ما سبب رحيله عنها ... وقفت أمام أحواض أزهاري وكأنها تشاركني في عزائي وشعوري بالذنب تجاه أختي .. لأسقيها من دموعي ما تتحدث عما في أنفاسي الملتاعة ..فأبقى طويلاً ... حتى بللتها من دموعي ما يكفي لأن تقوم هي بذرف دموعها ..
" ............. تمت ..........."


أنت لي وحدي

on الجمعة، 14 أغسطس 2009



( 1 )

كانت أول صورة في حياتي أتأملها بعمق ... أول صورة نسجت بها أروع أحلامي .. .بل قد شيدت في خيالي أجمل قصر من العشق لم يكن له من الوجود من شيء ... أبحرت في عينيه المحيط كله .. همست في وضح النهار ولعي به .. سهرت الليالي أترقب قدومه على بساطه السحري .. ليحملني بعيداَ عن ارض الواقع ليثير حولنا طيف من الخيال الساحر ... هكذا كانت نظرتي التأملية في تقاسيم وجه الصافي ... بهرني وسامته الفائقة ... وهيبته الواضحة .. تحريت قدومه إليَ ... انتظرته طويلاً ... كي يأتي ... بعثت له المراسيل والأشعار .. حتى وصل بي الأمر إلى رجائي الحار إليه ... ولكن لم يحدث شيئاً ... لم يحرك ساكناً ... كنت اعتقده ساذجاً ... أو غير مبالياً ...لما تحفه المجلة من مئات المعجبين ... لاسيما الفتيات الجميلات ... كان دائما من يسترسل في شعره العذب وصف المرأة .. وجمالها البدوي ... يتغزل بكينونتها الأنثوية ... يداعب في ألفاظه مشاعرها المرهفة .. ويدغدغ بكلماته أحاسيسها بدلال ... في بادئ الأمر اعتقدته رجل متزوج بأجمل امرأة في هذا الوجود ؟؟؟ لا استحالة تطابق أشعاره في وصف امرأة كاملة ... بشخصية واحدة ... ربما كانت هذه تتربع في عرش خياله الخاص ... إلا لما لم يسمها في قصائده الغزلية ... وذات يوم اكتشفت بالصدفة بأنه لم يتزوج بعد ... وذلك بعد أن وجدت إعلان في الجريدة خبر وفاة أخيه الأكبر بحادث مروع ... لم تصدق عيناي ما قرأته ... بالفعل لقد تأثرت .. أقشعر جسدي حينها ..أتراه متألماً بعمق ... لينسى المرآة وعالمها الواسع ليلجأ إلى رثاء أخيه وحبيب قلبه وشريك طفولته .. منذ القدم .. هذا ما اعتقدته .. بالفعل أدرت قرص الهاتف المدون في صفحة الجريدة .. أخذت انتظر وأنا أسمع رنين الهاتف مرة تلو الأخرى ..ولكنه لم يجيب ...شعرت بالإحراج إذ كيف به وبهذه الحالة سيجيب ...لا جرم إنه الآن يعانق الذكريات السابقة وهو يحتضن صورته البريئة كدت أغلق سماعة الهاتف ولكن فجأة فُتُـح الخط أمامي ليأتيني صوته مبحوحا متحرجرشاً لم أنكر حينها بأنني ذرفت دموعي بلا وعي يذكر .. واسيته وقدمت له التعازي .. وبي قبضة ألم في صدري شكرني بأدب بالغ مع دعواته لي بألا يُرى احد مكروهاً .. أغلقت الهاتف بعد أن شعرت بيدي ترتجفان بقوة ... أحمرت وجنتاي بحدة .. سرت قشعريرة حادة في أطرافي لأنتفض بقوة ... استرخيت قليلاً ... أخذت أعيد ما دار بيننا من حديث وإن لم يكن ذا أهمية ... بقيت فترة تتضارب بها الصور والأحداث أمامي .. أتراه سينعزل .. أم سيخرج لنا بلون أخر بعد هذه الصدمة ... ؟؟
أتراه سينسى ما حل به من فقدان أخيه وأعز صديق له منذ طفولته ليعود كسابق عهده .. أم سيبقى في عزلة يصارع بها مع نفسه أمواج الحياة والذكريات الأليمة ...؟؟
( 2)

لم يمضي على وفاة أخيه أسبوعاً كاملاً إلا وقد عاد بقصيدتين جميلتين قد وضعت في صفحة الأدب من المجلة .. أكان هو حقيقة أم لا ..؟؟ أهذا ما كتبه حين وفاة أخيه أم تراه من أول قصائده القديمة التي سعى في نشرها منذ سنتين .. ربما .. ولكن حسب معلوماتي المتواضعة لم أقراء منها ولو بيتاً كان منذ القدم ..ربما كانت حديثة .. أو ربما كتبها قبل وفاة أخيه بأيام .. مما جعله يؤجل نشرها فترة قصيرة ... هكذا ما توصل به عقلي من تفسير غامض ... أخذت بقراءة القصيدة الأولى .. لقد كانت في الألم والعذاب من الحب وأصحابه ... يجسد معاناة الفراق واللوعة في أصدق صورة .. أما في القصيدة الثانية والتي كانت محور حديثة في وصف المرأة وإعجابه بها .. وقد تخيلها كالحور العين تحادثه في المنام ... لدرجة أنه قد ذكر رغبته في البقاء نائماً طوال الوقت كي ينعم بأجمل ما خلق ربي في هذا الكون ... حينها لم أستطع أخفاء إعجابي الشديد لهذا البيت بذات فأدرت قرص الهاتف سريعاً ..ليأتيني رده الأسرع .. كأنما كان ينتظر اتصالي..!!
أو يبدو أننا على أتفاق مسبق أو على ميعاد محدد ... ترددت برهة حتى هتفت بصوت خافت أمتزج بين دلالي ونعومة أحلامي ...
القصيدة رائعة وصياغتها أروع ..
أتاني رده في نشوة ولطف بالغ عن سروره وتعبيره بفرحه وأفصح عن إعجابي في هذا في تميزي بالذوق ..والطابع الخاص الذي أكنه في داخلي مضت نصف ساعة ونحن نتجاذب أطراف الحديث علمت من خلالها جزء من حياته .. إنه موظف بسيط في أحدى الدوائر الحكومية .. يتسلى بفراغه ... ويطلق ما في نفسه العنان لتجود له أروع ما وهبت له شاعريته الفذة .. كان يهمس لي بين الحين والأخر رغبته في الارتباط بامرأة تحمل صفات ما احتوت به قصيدته ..كان يردد في بحثه المتواصل عن أمرآة تفهمه وتعيش في عالمه السحري الشاعري ... لكنه حينها ردد بأسى أن لا توجد أمرآة تحمل ولو ربع من تلك الصفات والمحاسن .. لتبقى شيئاً في نفسه يحاول طيها مع الزمن ... لا ادري لما راقت كلماته في نفسي ولا اعلم لما بقيت صامته استمع في اهتمام لما يهمس لي ...شيئا ً في نفسي قد تحرك ... كان كالنبض يخفق بشدة ... خصوصاً وأن سألني عن مقدرتي في كتابة القصائد الشاعرية والتعبير عن الحب بشكل أفضل منه .... لا أعرف حينها ما الذي قلت له بالتحديد ولكنني سمعت صدى ضحكته العفوية في سماعة الهاتف فعاد ليسألني ..:
" مَن من ِ الشعراء تقرأين لهم أو تستمتعين بأبياتهم .."
لم أدرك إلا وقد همست له شفتاي في رقه وعذوبة متناهية :
" أنت ... ولا أحد سواك ... "
حينها أبدى تعجبه في بادئ الأمر ثم عاد وسألني السبب في ذلك ... ولكنني لم أجبه ... ؟!
يبدو من صمتي ولو برهة كفيلاً لأعلمه ما أرمي إليه ... " إنه الحب "
الحب الذي جني لي العذاب ليل نهار ... بقيت في سهاد وإرهاق كبير ... حينها اعتذرت منه وبلا مقدمات حتى أغلقت سماعة الهاتف كنت على وشك الانهيار ... ترى ما الذي فعلته ... ترى ما كان حديثنا صائباً أم فيه نوعا من المغالطة .. أكان يجدر بي كفتاة التحدث إلى رجل شاعر لعبته الكلمات ..و لا أعرف عنه سوى ما نشر بالمجلات في كل عدد عن قصائده الغزلية والرومانسية ... أكان عملي هذا هو الصواب .. أم أنها بداية لمشكلة لا حل لها .. ترى ماذا عليّ أن أصنع ...إنه يعلم عني كل شيء .. " فتاة في الثانية والعشرين .. مراهقة .. والأخيرة من بين أخواتها وإخوانها ... تدرس في الجامعة في تخصص علوم الكيمياء الحيوية .. تذهب برفقة السائق إلى الجامعة ومن ثم تقضي بقية الوقت مع صديقاتها في أحدى الأسواق أو لأحدى المطاعم الراقية ... "
والدي لا يعلم هذا .. بل الأسوء إنه يعلم أنني في أي مرحلة ادرس بها .. ربما لكبره وعجزه أقعده عن المتابعة بي .. وربما لثقته الزائدة ترك لي مساحة خاصة من الحرية ... حرية التصرف المطلقة كما أراها ... دون رادع أو عقاب مسبق ... أنني بالأحرى لا أراه الإ إلماما .. ما كان في المناسبات أو الأعياد وذلك لانشغاله في التجارة التي تعود إليه بثروة طائلة .. لم أستطع في تلك الليلة النوم بسلام .. ظللت أفكر بما قد يحدث لي .. وما قمت به ...!!
أكان صواباً أم خطأ .؟؟
حتى اهتديت في النهاية بعد ما سمعت صوت العقل بالإ أعاود الاتصال والحديث معه ... شعرت بالسخف و الإهانة ... ربما انتابني شعور بأنه يحتقرني أو قد يتخذ مني ألعوبة الحياة ... حينها قطعت عهد في نفسي على ذلك ..
( 3 )

لم يمضي أسبوع أخر حتى وجدت نفسي تتوق لسماع صوته المرن .. بما فيها من سحر ودلال .. وبالفعل ..أدرت قرص الهاتف مرة أخرى . بعد أن أغلقت صوت العقل بقوة .. لأبحر في نبض إحساسي المرهف .. مرت دقيقة كاملة لم يجبني حينها ... ربما في شغل عني .. أمضيت الوقت في ترتيب حجرتي أخذت اجمع أشعاره وصوره المنشورة في دفتري الخاص ...وحسب ترتيبها الزمني .. تأملت صورته ..يبدو لي إنه لم يتجاوز الثلاثين عاماً .. ولكنه وسيم .. ذو هيبة مميزة في عينيه ... كما انه ظهوره مميز عن كل أقرانه من الشعراء في الساحة الشعرية ... دائما ما يحف جريدته بمجموعة من القصائد المسترسلة من أشجانه الرقراقة .. كل ما فيه بديع .. كل ما فيه رائع ... بروعة لألي البحر في محاره الحجري ..وبلمعان نجوم السماء في هديانه .. مضت ثلاثة ساعات على اتصالي الأول .. أعدت الاتصال به .. فاعتذر بأدب حجم عن خروجه من المنزل ليحل إشكالية برقم هاتفه النقال حيثما كان يحمله .. وحيثما شاء أجده يجيب لي .. كم سعدت يومها .. وكم طرت فرحاً ..لقد خصني من بين جموع المعجبين برقمه الخاص ..نادراً ما يتم إعطاءه لأحد ما ... وغالباً ما تكون لأقرب المقربين إليه ..أحسست بأن هناك شيء يلمع في الأفق .. شيئاً ينتابني بالحظ الأوفر بالمستقبل ... ربما أعُجب بي .. ربما وجد فيني الشيء الذي طالما حلم به ... لا اعلم ما هو .. ولكنني أيقنت إنه واقعاً في طرف شبكة العشق .. ربما هو قريب إلي ..نقطة المركز حتى يفصح لي عنه حبه ومكنوناته بي .. كم كنت ساذجة ... بلهاء .. ما كان يريده الرجل من المرآة إلا ليتلاعب بها ... ربما ليجرب حظه العاثر بي ... ربما وجدني في غنى عن الحذر .. ليقف عند خطوطه الحمراء .. وبدأت المكالمات تتوالى يوماً بعد يوماً .. حتى أصبحت بشكل ملفت في اليوم ... الواحد حتى تميزت مكالماتنا في منتصف الليل ... يلقي بي .. أشعاره التي لم ينشرها بعد ... والتي للتو كتبها من أجلي فقط .. ثم يستأذن في نشرها إلى الأسبوع القادم تخيلت أنني ملكت العالم بحبه لي ... وتمكنت من زمام الحياة معه .. حتى إذا ما جاء اليوم الذي وجدت به قصائده التي تتطاير منها لهيب الحب من حرارة كلمات حتى سكنت مكاني وأذوب حلماً في نفسي يومها لم أستمع إلى قول صديقتي ( رانيا ) بأن ما يقوله ويتفوه به لا يعد خاص بي ..لأنه بحديثه المبهم عن تلك المرأة .... لا يمكن أن يشير أو يقصده بي إطلاقا ولو كانت تحت كل كلمات مغزى معين و يومها ... لم تستمر صداقتنا التي دامت قرابة خمس سنوات والتي ذهبت في أدراج رياح الذكريات ..
( 4 )

في ذلك اليوم بالتحديد من السنة الأخيرة قبل تخرجي من الجامعة ... وبعد الاستعدادات المسبقة لبناء عش زوجي متكامل الأركان أفاجأ بخبر قران عقده مع ابنة عمه .. أكان ما رايته صابئاً ...أكان هو حقيقاً أم لمجرد تشابه الأسماء ..... يومها لم أصمت دقيقة إلا وأنا اتصل به كل دقيقة .... لم يكن ليجبني حينها .. ذرفت دموعي طويلا ً... أكانت هذه قصة حب تولدت وعاشت في خيالاتي .. لتبقى وحيدة يتيمة المشاعر ... أم بقيت نموذجاً له يقلبني كيفما يشاء ..ووقت ما يحلو له ... أم أنني بقيت في عينه المرآة الساذجة التافهة التي تبوح له عما في خاطرها بدون أي روابط تربطنا سوى الحديث عن بعضينا .. ولا أساس .. ما كانت تنتظره امرأة هائمة وسط أسطر كلمات وبين أشطر أبياته ... ما كان ينتظره مني بعد أن أخلصت له وفاء ومحبة وهياماً .. أكل هذا قد ذهب مع أدراج الرياح الباردة ... أبكل هذا المشاعر المتوقعة للانسجام والتفاهم والحب الأبدي والروحاني الذي أكنه في دواخل القلب .. لما يدفن في لحظة .. ولم يكتمل ولادته بعد ... أيرحل عني المحب الميتم بقصائده لامرأة أخرى ...
.. وأنا ... وأنا ماذا ...؟؟
ما كنت افعل هذا لولا جنون حبي له ..... ما كنت أصل لهذه المرحلة لولا عشقي الأعمى به ...أكان ما حصل بيننا تتمزق في شغوف وسط أوراق الخريف المتساقطة ... أتراه مازحاً ... أم يرى بي صورة المرأة بأقبح ألوانها .. أكنت أمُثل له الجانب الوضيع والمشين للمرأة ... وأن أبنه عمه التي اقترن بها هي الملاك الطاهر .. أم للتقاليد وعادات المجتمع هو ما قيدت حبه ليفني وسط نظام العائلة المحافظة ... والمترابطة ... كيف .. أهذا لأنه رجل مرهف المشاعر متدفق الخيال أم أنها سمة يتفق بها كل الرجال ... أتراني أخطأت .. أم أنني قسوت على نفسي .. أم فرض المجتمع قيود على العشاق والمحبين ... كيف حصل هذا .. ولما استرخصت حبي له ... أم من اجل أنني عشقت كلماته المتعانقة بأبيات الحب الخالد ... أم لأنني فتحت له أشرعة المحبة دون أن أنتظر أن يطرق الباب بنفسه ... لماذا أبقى أنا حبيسة كلمات في أبياته ... أعانق عذاب الحب بقصائده ... ولكن السؤال هنُا ... والذي قهر قلبي وحبس أوتاري وقطع حبال عشقي ألما ً ..وسط تسأولاتي أرددها في صدى أنفاسي المصدومة ...
أكنت حقا هي المقصودة في قصائده أم كانت من تخالفني هي التي حظيت بمقصوده ...؟؟؟


" ......... تمت ........ "

الحب الصغير

on الاثنين، 3 أغسطس 2009




أخذ يطرق باب حجرتها بقوة .. .. مضت لحظات ... لا صوت فيه ... .. لم يسمع أنينها المعتاد .. هدوء غريب يسكن غرفتها .. أصر أن تفتح له الباب ..أخذ يطرق بشدة ... لم تجيبه .. أحس برعشة سرت في عروقه ..... أخذت المخاوف تنتابه حينما طال وقوفه ولم تجيبه ...ردد بصمت " لا بالتأكيد هناك شيء يحصل بالداخل ..." طرق حينها الباب بقوة أكثر .. .. لم تصدر صوتاً .... فقرر كسره .. وجدها هناك ..كالأميرة ... بل .. كالملاك .. نائمة ؟ أقترب منها ببطء ... يتأمل نومها كالطفل البريء ...وضع يداه على جبينها في خفة وهدوء .. أحست به .... فتحت عينيها برقة .. وبصوت خافت قالت : عبد الله ... ؟ ماذا تريد... ؟؟ ... دعني أنــام بسلام ... ! .. ما إن سمع هذه الكلمات إلا وسرت تلك الرعشة في عروقه مرة أخرى ..أخذ نبض قلبه يضرب بشدة ... حملها وأسرع بنقلها إلى سيارته .. وما أن أدر محركها حتى اتصل بأخيه فيصل ... أتى له الصوت من مكبر الصوت ... قائلاً : فيصل أسرع تعال إلى أقرب مستشفى .. أتاه صوته متقطعا بعض الشيء .. : مــاذا ...ما الذي حصل .. هل حصل مكروه .. ما بك لا تجيب ...عبد الله ...عبد الله ..قطع اتصاله بعد أن سمع همساتها وهي تردد : سوف أموت ... دعوني أموت ...بسلام .. دعوني ...!! بعد ساعتين كان هناك يقف في رجاء .. وهو ينتظر الطبيب ... من حجرة الطوارئ .... أتى فيصل مسرعاً إليه سألاً إياه ... : عبد الله ...ما الذي يحصل ... من هنا ... ؟؟؟ أنها أختك ... أختك الوحيدة والصغرى ... " باسمة " " باسمة " ........ ما بها ... هل هي بخير .. ما الذي حصل لها ..؟؟ قالها بخوف وهو يمسك بقميصه بشدة فأبعده بيديه قائلا .. : لا أعلم ..لقد كانت في حجرتها ولم تخرج كمثل عادتها .. خشيت أن يكون مكروه قد حصل لها .. فلما أتيت وجدتها نائمة ولونها قارب على الصفار ... كانت أطرافها باردة .. وهي في حالة هذيان ... لا أعلم ما الذي حصل لها ... ...؟؟ جلسا في أقرب مقعد قريب لهما ... خرج الطبيب بعد ساعة من الانتظار .. نظر إليهما بعين غاضبة .. أطرق فيصل رأسه في أسى .. وتطلع عبد الله في وجه بانتظار ما سيخبرهم عنها .. لا يعلم لماذا شعر فجأة بالخوف الكبير .... خاف أن يخسرها... ! فسأله الطبيب .. : ما صلة قرابتك بالمريضة " باسمة " ... ؟ .. رد عبد الله: أختي .. قال الطبيب: أختك يا أخ عبد الله مصابة بانخفاض حاد في ضغط الدم .. كما أنها تعاني أيضا من فقر الدم ... ! أظنها لم تأكل شيئاً ليومين ...!! لم يستمع ما قاله الطبيب بعد ذلك ...انحدرت دمعة ساخنة من مقلتيه .. كيف حدث هذا ..؟؟ كيف سمح لنفسه أن يهمل هذه الوردة التي كان منزلهم يزهو بها ... ! بضحكاتها وبسماتها .. بخفة دمها .. وطيب قلبها ...كانت تملأ البيت فرحا .. وحركة .. ..لام نفسه بشدة .. كان عليه أن يفهمها .. هو بالذات ... من بين الكل كان هو الوحيد أقربهم إلى قلبها .. .. تذكر كل الأيام التي ركضت إليه ودموعها على خدها .. تشتكي من هذه ومن ذاك وكان هو من يمسح دمعتها ..ويضمها في صدره بحنان كبير ... تسأل في نفسه في لوم وقهر .. : لماذا تركها تأن لوحدها اليوم . ... ؟!! لقد كانت بحاجة إليّ .. اليوم كانت ستذبل وردتي الجميلة .. ببسمتها الساحرة ... اليوم كنت سأفتقد روح أبي وأمي .. من بعدها ... تناهى إلى مسمعه صوت الطبيب الذي اخذ يطمأن أخيه فيصل قائلاً : كلا ... الحمد لله ... لقد تجاوزت الآن مرحلة الخطر .. هي الآن أفضل من قبل ...ولكن هل كان هناك من أحد يرعاها في غيابكما ... طأطأ فيصل رأسه في ألم وهو يجيبه : كلا .. على العموم .. سنستبقيها هنا ليومين أو ثلاث حتى تستقر حالتها .. ورجاءً إن كان هناك أي موضوع قد يؤثر على نفسيتها ... علينا الحذر منه فحالتها لا تسمح بمزيد من المضاعفات ! شكرا الطبيب .. ودخلا على أختهما .. نظرت إليهما بعيون واهنة .. قد أغرقت من مرارة الدمع والحزن ... ولكنها أمطت ابتسامة صفراء وهي تمسك يداه بضعف .. عبد الله ..... شكراً لإنقاذي ..!! فأشاح بوجه عنها بألم ..لم يستطع كتمانه والبوح به .. أدركت في نفسها ما يشعر به ... فهمست له بود : لم أرك مذعوراً في حياتك مثلما أرك الآن ... لم أنسى تلك اللحظة التي طلبت منك أن تتركني أرحل بسلام .. !! لم أنسى نظرتك تلك .. لقد شعرت بك .. وبخوفك عليَ عبد الله ...أنت أخي ... وصديقي .. وأبي ...!! نزلت دمعته حينما ردت بكلمتها تلك .. ودفن رأسه بالقرب من وسادتها وهو يخفي ألم وخوفه وحبه الكبير لها .. تطلعت عليه بعينيها المتعبتين وهي ترسم ابتسامة عذبة على شفتيها ردت روح أخيها فيصل بفرح ..وهو يقبل جبينها ... هامساً لها بود .. : باسمة ارتاحي الآن .. لقد تعبتي كثيراً لليلة أمس .... كادت أن تجيبه ولكنه امسك بيديها ووضع أصبعه في شفتيها قائلا بهدوء وحب : ليس الآن ... ليس الآن .. حينما تخرجين سوف نطلب منك شرح وافي عما حصل لاحقاً ..ولكن ليس الآن حبيبتي ... نامت باسمة بهدوء .. وابتسامتها العذبة لا تكاد تفارقها ..فأستغرق عبد الله في تأمل أخته الصغيرة إلى أن نال منه النوم أيضاً مع أخيه فيصل الذي نام بشكل مضحك على كرسي قد ضاق على جسده .. وفي اليوم التالي ... زقزقت عصافير الصبح كعادتها طرباً ونشوة .... ودغدغت أشعة الشمس وجه باسمة .. فتحت عينيها فوجدت أخويها بالقرب منها عبد الله مطرق الرأس .. نائماً .. وفيصل نائماً باتجاهه المعاكس ... .. حاولت أن تنهض بهدوء فأيقظت عبد الله .. فتح عينيه بصعوبة .. بعد ثوان من الوجوم والحيرة والتعب تذكر أحداث ليلة البارحة. فسألها وهو يسحب ستار النافذة ليسطع سحر الصبح على وجه أخيه فيصل ..الذي نهض بعد أن حرقته أشعة الشمس الصغيرة : كيف حالك اليوم يا أختي الغالية؟ أشعر بتحسن كبير .. و بنفسية مرتاحة جداً .. طبعاً أيتها الشقية .. أخفتنا يوم أمس .. كدنا أن نجن .. فقاطعه أخيها فيصل والنعاس يغالب أنفاسه : .... لما أضربتي عن الطعام ليومين .أكان الفلفل قليلاً.. أم الملح لا يكفي ....؟ ابتسمت بعذوبة لخفة دم أخيها ومرحه الدائم ..ولكنها أطرقت رأسها خجلاً ... بعد أن نظرت إلى عيني أخيها عبد الله الذي يتأملها بعطف وحنان متزايد .. تطلعت بعيناها اللوزتين كأنها تريد أن ترسل من خلالهما أسفها الشديد .. أمسك عبد الله بيدي باسمة .. وبكل حنان .. سألها: ماذا حصل لك ؟؟ لماذا لم نعد نشعر بابتساماتك المشرقة كثيراً وروحك المرحة ؟؟!! أدركت أن الوقت قد حان لتفصح عن ما تشعر به لأخيها .. .. صديقها وأخيها ... وكاتم أسرارها .. وقائدها .. أجابت وهي تحاول أن تخفي من حروفها خجل المشاعر : سأخبرك عن ما حل بي .. ولكن أرجوكما عداني ألا تحرماني من سعادتي .. ماذا يا باسمة أخبرينا نحن أخويك .. لا تطلبا مني أن أقوم بما يصعب علي تحمله ..؟؟ رد عبد الله بتلقائية : طبعاً أعدك يا أختي الغالية .. وبقيت علامة استفهام كبيرة في وجه أخيه فيصل ..!! رددت بخوف لم تستطع إخفاءه من عيناها : أتعدني ... بأعز ما تملك .. تطلع إليهما فيصل بتعجب وهو يقول : ماذا اخبرينا .. فأردفت قائلة وأنت يا فيصل أتعدني . .. أعدك ... أعدك ولكن بماذا ..؟؟ عبد الله ..فيصل .. أنا أحب .... ! وقبل أن تقول أي شيء رجاءً اسمعني للنهاية .. تطلع فيصل إلى أخيه عبد الله الذي بدأ هادئ بعض الشيء ..فتطلع لها مستفهما بما يحدث ..فأكملت لهما قائلة وهي تتطلع عبر نافذتها الصغيرة بود وشيء من اللوعة : شاب طيب خلوق كتب الله له أن يولد في عائلة فقيرة جداَ ..أباه سجن لكثرة الديون المتراكمة عليه .. وأمه تعمل خادمة في أحدى المدارس الحكومية ولكنه رائع .. وان كانت ظروفه قاسية عليه .. لم أكون قاسية عليه أنا أيضا بقلبي وحبي له .....أعلم .. أن جميع قوانين مجتمعنا لن ترضى بالمساواة ..و أعلم أنكما ستحاربني إن أنا فكرت ولو للحظة الارتباط به .. ولكني أحبه .. وسأظل أحبه حتى لو رحلت عنكما .. .. بدأ الانزعاج على وجه أخيها عبد الله الذي حاول أن يخفيه فأجابها : ما زلت صغيرة على هذا الكلام .. والحب هي مرحلة جميعنا مررنا به ... ولكن لم تخرج منه غير ألم الفراق والبكاء .. كلا ... لم أعد أختك الصغيرة .. أصبحت كبيرة بما يكفي لأختار وأقرر بحياتي .. قاطعه فيصل قائلاً : ولكن يا باسمة ...كل ما قلته لا يكفـ أعرف ما هو رأيك في ما أقول .. وأعرف أن الجميع بلا استثناء سيرفض ...وأعلم أنكم ستطلبون مني أن أنساه .. أعرف كل هذا ولكن لا .. لكن أكون قاسية إلى هذا الحد بقدر ما قست عليه الحياة .. فأنا له ..وسأكون له ...حتى لو كلفني هذا عمري كله .. أطرق عبد الله رأسه بصمت بينما اخذ أخيها فيصل يردد بذهول : أنظر يا عبد الله ما الذي تقوله أختك باسمه .أتراها جنتُ .. ما الذي يحصل ..كلا مستحيل فأجابه فيصل اهدأ أرجوك ..دعني أفكر بالأمر ..قد تكون باسمة محقة .. طالت نظرات الدهشة من عيناي فيصل وهو يجيبه : محقة ... ما الذي حصل لكما .. ما هذا الكلام .. أمسك بكتفيه وهزه قائلا : فيصل .. هل يهمك سعادتك أختك .. أم حزنها ... هل تتركها تموت وتذبل أمامك .. ولما .. من اجل كلام المجتمع .. ماذا عنها .. دع المجتمع يفعلوا ما يريدون ولكن سعادة أختي هي الأهم بالنسبة لي .. أخذ فيصل ينظر إليه بصدمة .. أحس وقتها بتضارب كبير بين عقله وقلبه .. عقله لا يسمح بما تقوله أخته .. هي أخته ولا يريدها أن ترتبط بمن هو بائس فقير ...فكيف يسعدها ...الحب وحده لا يكفي للعيش معاً .. هي مازالت صغيرة . ولن تستطع التحمل في سقف فقره .. وتتركه حتما .. ستعود إلينا مطلقة ..لماذا .. لماذا نسمع كلام فتاة صغيرة أختلط بها روعة الحياة والحب للواقع . .هي لا تدرك ما الذي سيحصل ..لها مستقبلاً . هذا شيء غير مسموح بكل الأعراف . والأجناس ..!! ولكن قلبه رق لحالها .. هو يعرف كيف يمكن للحب أن يكون مؤلماً .. كيف يسكن روح المحب ويستنفد كل طاقته وسعادته .. أخته الصغيرة وصورة لأمها الجميلة .. وديعة حنونة .. ملأت البيت لهم فرحاً وسعادة ... مضى مسلسل حياتها الصغيرة أمامه بكل تفاصيلها الرائعة !! فأجابه لها بود وحب طاغ : باسمة ....لست مجبوراً على إعطاء رأيك الآن . .. فلننس الموضوع .. المهم الآن متى ستخرجين من هنا .. فأجابت بشقاوة ومرح ...: اسأل عبد الله متى سيتم إخراجي من هنا .. أنا جائعة وأحتاج للحمام !! لقد أخبرنا الطبيب بأنك ستخرجين اليوم .. ولكنه سيأتي للإشراف عليك مرة أخيرة وبعد يومين ..عادا إلى المنزل .. وكلاهما يبحر في عالم أخر .. باسمة تبحر في بحر الحزن الذي سكن قلبها .. وعبد الله وفيصل يبحران بالحيرة القاتلة ،كل يوم يهمسان عماَ يمكن تقديمه لأختهما الوحيدة .. وكيف لهما أن يتصرفا ... وأخيرا قرر فتح الموضوع لها وإعطاءها القرار الصائب ..! أتت باسمة بخطوات خجلي نحوهما وهي مطرقاً الرأس ، قال لها فيصل والكلمات تخرج من فمه بأسى : الحقيقة أن ما أطلعتنا إياه .. وعن رغبتك ... اقصد...أ .. قاطعه أخيه عبد الله قائلا : باسمة لا بأس وجدنا أنه من الأفضل أن نمنحك حبك كاملاً .. يكفي الحرمان الذي عانيتيه بفقدان والديك .. أعلم أن الأمر صعب بالنسبة لدينا .. ولكن لا يوجد أغلى وأعز إنسان إلينا سواك ...أن كنت ٍ تحبينه فأخبرينا عنه .. سوف نتحدث إليه .. وتأكدي أننا لن نقف في وجه سعادتك غاليتي .. تطلع فيصل إليه بذهول ..لم يكن ذاك قرارهما .. ما الذي يحدث .. صعدت باسمه إلى حجرتها سعيدة جداً .. بينما أخذ فيصل في استفهام أخيه عبد الله لما أخلف رأيه ولم يقل ما تواصلا إليه من قرار .. نظر إليه أخيه عبد الله قائلا ً : فيصل أتثق بي ... نظر إليه بتعجب أكبر وهو يقول : ماذا ... هل أنت واثق مما تفعل .. هل تدرك حجم الخطورة والتسرع بفعلك ..أنها أختك الوحيدة ... فكيف تهدها أحزان ينفطر القلب به .. أيعقل أنك أنت من ستؤدي بها إلى بؤس وشقاء ..أنها الوحيدة ...وأختك ..ما الذي تنوي لفعله ..؟؟ وكيف طاوعك قلبك على موافقتها ... وأنت تعلم أنها مرحلة طيش وأنها مازالت صغيرة لمثل هذه الأمور ..؟؟ أجابه بثقة أكبر : فيصل ...أتثق بي يا فيصل ..؟؟ أنت مجنون ...مستحيل فيصل أنظر إليَ ..!! أتثق بي يا فيصل .. لوهلة سكت على امتضاض وهو يجيبه .. : لا أعلم ما الذي تنوي لفعله ولكن لن أسمح لك بتحطيم قلب أختي ..لن اسمح لك أبد أجابه بثقة أكبر : تأكد أنني ما سأفعل هو الصحيح .. والأفضل لنا جميعا ... وتأكد أنني سأقودكما إلى السعادة دائما ولن أسمح للحزن أن يطرق بابنا مرة أخرى .. تطلع إليه فيصل بتعجب غير مقتنع لما تفوه به .. فألزم الصمت حينما رأى أخته باسمه تنزل ومعها ورقة دونت فيه بعض الأمور الشخصية عنه .. فسحب فيصل الذي أشتط غضبا إلى الخارج .. وحينما صعد إلى سيارته أخبره عما سيفعل ..وما الذي ينوي لفعله .. أقتنع فيصل لقوله وأرتاح لتصرفه ....وذهبا فعلا إلى منزله بعدما بحثا عنه وحينما وصلا... رآهما فرحب بهما دخلا إلى منزله .. لم يكن معه أحد ... ولم تكن والدته قد عادت بعد .. مضت ساعتين وخرجا بعدها وهو مبتسماً وهو يلوح لهما مودعاً بصمت مطبق ..عادا إلى منزلهما ... بفرح كبير ولما أقبلت إليهم باسمه أخبرها عبد الله أن الأمور تسير وفق ما تريده ... ولكن بشروط .. تعجبت باسمة من القول فسألتهما عن الشروط أجابها عبد الله : باسمه لقد رضي بك زوجاً ولكن لديه شروط التي لن تنتهي ولعلي أذكر أهمها ..: اشترط أن لا تأكلي غير وجبه الفول كل يوم ثلاثة مرات . .. رغبة منه أن تتعودي في طعامهم الأساسي .. أشترط أن تلبسي يوميا ً جلابية سوداء ... ولا تغيرنها مهما حصل ، وأن تنامي على الأرض .. لمدة شهر أشترط أن لا تستمتعي معنا بمشاهدة التلفاز ولا بالخروج من المنزل .. وذلك حسب تقاليدهم وعرفهم ... وأن تعملي بنظافة وغسل وترتيب المنزل يوميا كما يفعلون هم أشترط أن تطيلي شعرك ولا تقصيه مهما كان .. وأشترط أن لا تتزيني بأي شيء سوى الكحل .. رغبة في عدم حرج مشاعر والدته .. ولا تستعيني بنا في أي شيء واعتبري نفسك في بيت زوجك ... ولتعلمي أن كل هذا ستطبقينه هنا بالمنزل لمدة شهر كاملاً قبل أن يأتي طالبا يداك ... نظرت بتعجب هل أنتم واثقين مما قال .. أقصد ...اعني أنه أشترط كل هذا ..... نعم ومن ها للحظة سوف تطبقين ما أمرك به ... ألست تحبينه بجنون ... هيا أليك ما طلب .. فقومي به حالاً ..نظرت بنوع من الدهشة وهي تتمتم : نعم صحيح .......من أجل الحب سأفعل .. وانسحبت بهدوء .. مضى اليوم الأول وهي بحالة مزرية جداً ... واليوم التالي والثالث .. وبعد أسبوع رغبت في تغير ملابسها ... أحست برغبة في مشاهدة التلفاز ... أردت أن تأكل البطاطس المقلية ... شعرت بالحرمان والقسوة .... مضت صامته ... وهي تشعر أن هناك أمور كثيرة فقد فقدتها .. لم يكن هناك طعم للحياة ... تشعر بالقيد .. وقسوة الحال .. صبرت الأسبوع الثاني ... كادت أن تنهار من شدة صعوبة الحال ... وفي الأسبوع الثالث .. وجدت أخاها عبد الله يشاطر فيصل لعبة الشطرنج .. ذهبت إليهما قائلة في أسى : أنا لم أعد أريده ... ولا أريد حبه .. تطلعا إليها بتعجب ماذا ... لا كيف ... لقد وعدنا الرجل .. وسوف يتقدم لخطبتك الأسبوع القادم .. كيف هذا ... ارجوكما لا ...لم اعد أريده ... ولا أريد حبه .. مستحيل ...كيف ...ألم تقولي أنك سوف تحبينه حتى لو كلفك عمرك .. الأمر تم .. أم أنك تعتقدين أن الأمر مجرد لعبة حب ..؟؟ لا ... أرجوكما ... لم أعد أريده .......لقد كرهته ....عيشته صعبة .. ولن أستطيع التحمل أكثر .. أرجوكما .. باسمة ... هذا ما أخترتيه أنت ولم نجبرك عليه ... ألم يكن حبك له من سعادتك ... وسعادتك تهمنا كثيرا .. وأنتي أختنا الصغيرة و لا نستطيع رفض طلب لك .. أختكما الصغيرة .. نعم صحيح ... ولكنني لم أكن أعلم أن الحياة ستكون بهذا الشكل ... أرجوكما ... لقد سأمت من العيشة هذه .. لم أعد أريده .. كيف مستحيل وماذا نقول له ... لابد أن نلتزم بعهدنا له ...ألم تكوني تحبينه وتريدينه مهما عارضناك أو وقفنا ضدك ... نحن أخواك . .. ونتمنى سعادتك دائما ... وهذا رغبتك ..هيا أستعدي فما بقي غير أسبوع واحد وسوف يأتي إليك .. انسحبت بهدوء بعد أن انحدرت دموعها في مقلتيها بحرقة ....... مضت ثلاث ليال وهي تبكي بحرقة .. وتندم على حبها له .......وكيف أنها لم تفكر يوما كيف ستتفق معه... حالة هذيان تقمص بها رعبا ... سوف أذهب إلى منزله ...... كيف سيكون حالي .. لما أعيش بفقر وقسوة ... إلا يكفيني فراق أبي وأمي ... ما هذه التعاسة ... لا استطيع ..لا استطيع وفي اليوم المحدد مضى كله في خوف وترقب منها ...تستفز خوفا من طرق الباب ورنين جرس الهاتف ... وما أوشك النهار بوداعه ليدخل الليل حتى انهارت بشدة وصرخت بهما أرجوكما ... كفاني عذاب ... لم أعد أتحمل تواجده .......لم أعد أريده مطلقا ..أنتما أخواي .. كيف رضيتما بالحالي عندها انسحب فيصل قائلا : أختي تحملي الحياة صعبة بكل الأحوال والحب يتوجب له بتضحية كبيرة بكت وهي تردد : تضحية ... لست أنا .. لست أنا من سأضحي بحياتي له ... حينها دق باب .. ودلفت إلى الداخل .. وذهبا ليرحبا به وهما بقمة السعادة والفرح الذي بدأ عليهما ... انسحبت إلى المطبخ وهي تسقط كأس زجاجي في الأرض ليتكسر شظاياه بجانب قدامها ... فدلف إليها أخيها عبد الله مسرعاً قائلا لها : أسرعي يريد أن يراك الآن ........هيا ... تعالي ؟؟ أخذت تبكي بحرقة وهي تلعن حظها ولحظة قولها لهما ... ندمت بشدة ولكن بعد ما حصل ما حصل ... لا مجال للتراجع ....... فجأة أتى أخيها فيصل قائلاً : الم تعدي القهوة ... أسرعي نريد أن نفرح بك ... غاليتي ..!! ملأت عيناها بألم وهي تستفهم ألم يرو أخواي دمعتي .. ألم يرو حزني ..ألم يكفي رفضي ...أستحق ما حصل ........ ليتهم رفضوا ......ليت أحدهم ضربني قبل أن يحصل هذا لي ..لماذا ...لماذا ..؟؟؟ بعدها دلفت إلى حجرة الجلوس وهي تشهق بقوة القهر الذي سكن فؤدها ... تقدمت ببطء نحو أقرب طاولة وضعت القهوة وانسحبت بهدوء ... ألم تسلمي علي حبيبتي ........!! توقفت برهة من الوقت ...لم يكن سؤاله غريباً ..وصوته ... ألم تتعرف عليه بعد ... لقد كان عمها .....أنه صوت عمها ... الذي كان يدلعها في صغرها كثير ...... ويموت بنسمة هواها ..... لقد أتى ...نعم أتي اليوم لمراسيم خطبتها ...... تطلعت إليه وهي تبكي بحرقة ...فضمها بحضنه قائلاً .........: هل ما اخبروني به أخوانك صحيح ..؟؟ طأطأت رأسها بألم وهي تدفن وجهها في صدره ولسان حالها يردد ...: نعم ....صحيح ......ولكن أنا لا أريد .... لا أريد ...... أنحى لها ووضع يداه أسفل وجهها فرفعها نحوه وجه قائلا ً : وهل أذنت أنا لك .... فأنا لم أوفق على زواجك بعد ......... بكت بصدمة فرح وحزن ..... وأردف لها : نعم حبيبتي ..... باسمة أنتي أغلى ما لدي .. فأنت من رائحة أخي الغالي .. صديق طفولتي وشقيقي الوحيد .. لن ادعك ..... لن أدعك تتزوجين إلا لمن سأختاره لك حبيبتي ..... طأطأت رأسها بأسف بالغ وهي تردد له : وأنا لن أخالفك يا عمي أبداً ....فأنت أبي الثاني ...!



" .......... تمت ..........."