قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

المحطة الثالثة

on الجمعة، 24 أبريل 2009









توقف القطار عند المحطة الثالثة ... ونزل جميع من كان على متنها .. الإ هي .. فقط ظلت صامته قابعة في مكانها ...لا تتحرك .. مضت نصف ساعة حتى تحرك القطار مرة أخرى ... اقترب منها رجلا ً كان في العقد الثالث من عمره وقد ارتسمت على محياه علامات الوقار والاحترام .. استأذنت منها بالجلوس في المقعد المجاور ... فنظرت له بتعجب قبل أن تأذن له .. حينها خلع جيب سترته واتخذ مكانه للجلوس واخرج من حقيبته جريدته المفضلة نظرت إليه باستغراب ولكنها لم تلقي بالا ً له .. مرت دقيقة حتى استرجعت ما رأته ... عادت لتنظر إليه ومما يحمله بيده .. لمحت تاريخ إصدار الجريدة .. فنظرت إليه بتعجب أكثر .. قاطعتها سؤال امرأة كانت في منتصف العشرينات تقريبا ً ذات ملامح من دول شرق أسيا قائلة :
أي خدمة لكما ..؟؟
أسرعت بالسؤال لها قبل الإجابة عليها :
أليوم هو الأحد ..!!
أجابتها بكل هدوء : نعم
أعادة إليها السؤال مرة أخرى وهل تاريخ اليوم هو 26 من هذا الشهر ..
فتطلعت إليها بضع لحظات قبل إن تجيب : نعم !!
شكرتها .. فعادت تنظر إليه .. وجدته مازال يتصفح جريدته الصباحية .. حاولت التركيز أكثر حول العنوان لتجد أن تاريخ الجريدة هو 3 من نفس هذا الشهر ... تعجبت أكثر ... فما المميز لهذا اليوم ... لكنها رجحت انه ذاهب إلى مقر عمل جديد أو مطلع إلى وظيفة في مكان أخر أو يبحث له عن بيت أو سيارة لشرائها ..فعادت إلى نافذتها تطل عبرها الأراضي الشاسعة والتي خلت من الحياة بها .. ظلت لفترة حتى قاطعها سؤاله المباغت لها :
هل لديك علبة سيجارة ..؟؟
كلا ..
فاخرج من جيبه علبة سجائر وسحب واحدة منها فعدا ليسألها : هل لديك قداحة ..؟؟
كلا..
علت حينها علامات التعجب واتسعت حدة عينها وهي تنظر إليه يخرج قداحته من جيب سترته وهو يشعل سيجارته بكل هدوء وكبرياء ...عادت غير مبالية لاستكمال ما كان يطلع إليه..
لم تستطع أخفاء علامات التعجب والتي ارتسمت على محياها ..ولكنها حاولت بقدر الإمكان الانشغال عنه بقراءة كتابها المفضل والشهير ( مسرحية شكسبير – الجزء الخامس ) من فصوله... وبينما هي مستمتعة ومندمجة بالقراءة حتى شعرت بحركة خفيفة تتحرك نحو كتفيها .. فهزت كتفها نحو رأسها .. وتابعت قراءتها ... ولكنها شعرت مرة أخرى بدبيب الحركة تسري على كتفها مرة أخرى ... فمدت يدها لتبعد ما علق بكتفها وما أن لامست يداها شيء بارد .. سحبت يدها سريعا ..وتوقفت لبرهة من الوقت لتستوعب ما تم ملامسته فألتفت لترى من خلفها حتى شعرت بتلك الضربة القاسية والتي جعلتها ترتطم رأسها بالنافذة .. حتى غابت عن الوعي لفترة ... مرت سويعات قليلة حتى استعادت وعيها ببطء ... دقائق حتى تذكرت ما حصل لها لتطبق شهقتها وهي تنظر ممن حولها ... رأته هو ... الكائن بجوارها ... وقد شق نصف وجه بالدماء ... وشق نصف فمه ليبرز عظم فكه الأسفل من بين الدماء ... ارتاعت لهذا المشهد المخيف وانتبها حالة هستيرية من الصراخ والبكاء والهلع ...أسرعت بالهرب وهي تستنجد وتصرخ طلبا ً للنجدة .. حتى وصلت إلى مقطورة القاطرة ..ووجدت سائقها مع بعض من رجاله ... بعد أن وصفت له ما حصل ..حتى اتجهت لتريهم مكان الجريمة .. وما إن وصلوا وهي تشير لهم ..قائلة :
هذا هو ...انه هو .. لقد كان بجوارها وقد طلب مني علبة سجائر .. و .
قاطعها سائق القاطرة قائلا ً :
أنني لا أرى أحدا ً ..
توقفت لبرهة وهي تحاول أن تستوعب ما تفوه به واتسعت حدة عينها أكثر عندما لم تجده بجوارها فصرخت كالمجنونة :
أنه .. هو .. لا هو كان بجواري وقد طلب مني علبة سجائر ولكنها أخـ...
قاطعها بشدة :
ولكن أين هو ... !!! سيدتي لا يوجد احد هنا مجاور بالمقصورة ..؟؟
نظرت إليه مليا ً
حتى عادت لتنظر نحو مقعدها ... فعلا ..لا أثر له ... وكأنما هو حلم ... ليس حقيقة ... لا أثر لدماء ... ولا شيء
توترت وارتعشت أطرافها وهي تتحسس مقعدها ... تنظر حولها أن كان وضع حقيبته السوداء أو سترت جيبه .. وكلن لا اثر له ..لا يوجد أحد ..المكان خاليا ً تماما ً أطبقت أنفاسها وهي تحاول أن تبرر موقفها ومما حصل :
فبادرها سائق المقطورة قائلا ً :
سيدتي هل أنت بخير ..؟؟
فأجابت بحزم بعد أن تطلعت إليه للحظة : نعم ... نعم وبكل تأكيد ..
حينها عادت إلى مقعدها ... وهي تتوجس خوفاً من ظهورها مفأجات الطريق لها .. ظلت لبرهة من الوقت وهي تنظر إلى نافذتها وتحاول استرجاع ما حدث لحولها .. حتى شعرت بدبيب الارتياح يسري في أنفاسها وانحت برأسها نحو النافذة ليغالبها النعاس ... مرة لحظات حتى شعرت بتوقف القطار وهدير محركه المزعج .. ووجدت أن اغلب المسافرين قد هموا للنزول .. فاستعدت للنزول ... وحملت حقيبتها وأمتعتها ... وحينما أرادت النهوض من مقعدها وجدت عود السجائر موضوعا ً بطرف مقعدها ... تطلعت إليه لبرهة ... مازال مشتعلا ً .. ولم يطفأ بعد .. أهذا معناه ... أيعني انه ....؟؟
رددتها بعمق بينما تملكها أحساس مخيف بوجود أمر غريب فأسرعت بالنزول خصوصا بعد أن ضرب سائق القاطرة بوق القطار لتصدر صوتها المجلجلة الأركان ووصلت إلى بابا الخروج ... وحاولت أن تستبق بعض الركاب بالنزول .. إذا ازدحم الباب بالمغادرين والقادمين ... وما أن وطأت أقدامها أرضا ً حتى سارعت بالركض نحو محطة التوقف وما أن وصلت حتى شعرت بالارتياح وهي تنظر إلى القاطرة وقد بدأ للتو بالتحرك .. استكملت إجراءاتها .. وأخذت بصالة الانتظار الخارجية ... فوضعت أمتعتها واتخذت مجلسها حتى ارتخت قليلا وما أن مدت رأسها إلى الوراء وأطبقت عينيها بعمق وهي تطلق أنفاسها عاليا ً بالهواء حتى فاجأها صوته قائلا ً :
أهلا ً بك في المحطة الثالثة سيدتي ..!!
فأجابت والارتياح باديا عليها :
شكرا لك .. وأخيرا وصلت إلى المحطة الثـ ...!!!!!
لم تستكمل جملتها حتى فتحت عينها وهي تنظر إلى لافته المدخل سريعا فنطقت : الثالثة !!
كلا ... لقد مررت بالمحطة الثالثة .. يبدو انك مخطئ أيها السيد ..
لم تستكمل حتى علا علامات الرعب الهائل في تقاسيم وجهها وارتعت أطرفها خوفا ً أكثر حينما نظرت إليه .. لم تتوقع أن يحدث .. إن يصادفها حظ عاثر وسيئ كهذا .. بأنفاس الهلع تأكدت أنه .. هو .. لقد كان هو ... هو بذاته .. من كان بجوارها بمقعد القاطرة ..!!!!

" ......... تمت ........ "

حكم القدر

on الجمعة، 3 أبريل 2009





توقفت برهة بدون وعي قبل أن تطلق العنان لتفسها في البكاء والنياح ...... بقيت في حالة التصديق أو التكذيب وهي تنظر إليه .......... لم تستوعب في بادىء الأمر ...... إلا أنها ابحرت في الكلمة الوحيدة التي نطق بها ....... الكلمة الاخيرة التي تفوه بها ........... الكلمة الوحيدة التي هي بداية لكل منها في طريق النهاية .......... شعرت بغصة ألم بالغة تترقرق في محجريها ........ الألم يزداد كلما تردد لها صدى الكلمة ذاتها .......... ( طــــــالق ) ....... لقد غدت اليوم مطلقة ........ هذا آخر مشوار حياتها معه ......... لقد سأمت من حياة الكفاح والعذاب .......... ومن النضال والبقاء ......... توهن جسدها ضعفاً وكبراً من أجله ........أفنت حياتها في خدمته ......... سعت بكل طاقاتها في أسعاده ....... وتكون النتيجة الحاسمة ....... أتهون سنين الود والأخلاص .......... أتغني عشرة عمر دامت ست سنوات وهي في مرارة وعذاب ........ عملت المستحيل لأرضاءه ......... ثم ماذا؟ ........ غدت الآن مطلقة ....... لتعود إلى والدتها المسكينة ....... المرأة التي لم تنال من الحياة شيئا ....... لم تنال حظها فيه إلا الأسوء .......... مات زوجها بعد أن انجبتها ....... وتيتمت هي مع أخواتها ........ أخيها الاكبر معاق ....... واختها كفيفة ......... لم تكن إلا لترعى شؤون حياة عائلتها ......... ولم تنال من الدراسة والعلم نصيب قط ........... أخيها الأخر ترك الدراسة بعد سنة واحد من تعليمه الابتدائي ليخوض في مضمار العمل ليل نهار .......... في محل عمه " أبو سليمان " وأبو زوجها بذات بقي العائل الوحيد لهما .......... وحينما كبرت وتزوجت ابن عمها " سليمان " كانت أسعد ماتكون في باديء الأمر .............. ولكن بدأت الأمور تتكشف لها بالسواد كل يوم يزداد الأمر بها سوء خصوصا ......... وأن أبن عمها قد أجبر بالزواج منها لأجل مال أبيها ......... الذي يشاطر عمها في أرض جدهما ....... ذلك ورثها الشرعي وها هو قد سلبه منها ........ بقيت معه في جحيم لا يطاق إلى جانب سهره خارج المنزل فإنه لا يأتي إلا للنوم أو للأكل فقط ......... لم يشا الزواج منها ........ كان معجباً بأخت صديقه " محمد " ........ الفتاة التي طالما حلم بالزواج منها....... الفتاة التي رسمها في مخيلته زوجة المستقبل المرأة الوحيدة التي كانت تعيش في قلبه ........ وها هي الأحلام والصور الضائعة تندثر مع أدراج الرياح ......... ضاع حبهُ ......... وأمله ....... تلاشى حلمه وعواطفه ...... صدم برغباته وطموحه على واقعه المرير ....... لينحل منه معاني الأنسانية ومنابعها الخيرة ....... ليبقى جسد بلا روح ......... ونفس بلا حياة .......... وبعد مضي أربع سنوات على زواجهما ........ قدم أوراقه لأبتعاثه خارج البلاد ........ وبالفعل .... تمت الموافقة عليه ....... رحل هو ......... لأستكمال دراسته ربما كان هذا هروبا ً من واقعه القاسي ..... ربما كان محاولة منه لنسيان حياته السابقة ........ وتجربته الخاسرة .......أمضى ما يقارب السنة وثلاث أشهر ....تسبق أسمه بحرف الدال ........ أصبح ذا مركز مرموق ........ ومكانه هامة ......... عاوده الحنين إلى الماضي ......... برغم هذه السنين إلا أن حبه الأول مازال ينكي جراحه وآلامه ........ صارحها بالأمر وخيرها بالبقاء معه وتحت قيد الضوابط الشرعية ......أم الفراق وهو الحل الأسلم لكليهما ..... شعرت بألم يعتصر كيانها ........ هاهو حبيبها وزوجها يوقعا بأمرُّ الأمرين .......أبعد كل هذا السنين يكون هذا الجزاء ......... لا ذنب لها ..... ولا ذنب له ..... ولكن حياتهما كانت تحت قيد حلكم التقاليد والأعراف ........ لذا رضيا بأمرهما ........ وهاهي ستضطر للأختيار ...... برغم من مصارحته لها ....... ولكن كرامتها تأبى البقاء معه تحت ظل جسد بلا قلب وروح بلا أحساس ......لذا آثرت البقاء بعيد اً عنه وصون لكرامتها إن تهان ألماً وتمزقاً أن أجابت بالقبول له ....... أخلت المكان لمحبوبته السابقة ..... لترحل بألامها إلى ماضيها السحيق لتعود إلى حجرتها العتيقة بكل محتوياتها البسيطة ..... لتبقى صورة المحبوب في نفسها النقية ........ ولتحمل على عاتقها البقاء من أجل والدتها الضعيفة ...... لعل في أمرها خيراً .......لعل في قرارها خيرّة من عند الله .... لذا أخذت بلم أغراضها البسيطة وحاجاتها المتواضعة ...... أخذتها تضم إلى روحها الجريحة خصوصاً بعد أن ألقى كلمته الاخيرة عليها ........ رحلت ........ رحلت إلى منزل والدها ... طرقت الباب عدة مرات وبها رعشة تسري في أطرافها .......... تلاحقها دموعها المنحدرة على خديها ........ فتحت لها أمها الباب وهي تسند إلى عصاتها الغليضة تقبلها وتحتضنها ........ تسألها في تعجب وخوف عن سبب قدومها في مثل هذا اليوم بالذات ومن الصباح الباكر إيضا ...... تجيب لها بنرة مليئة بالأسى ........." ما كان ينبغي لي أن أرحل منكم ..... ولا أن اوُرحل عنكم ....."تضمها بقوة ......وهي تكفكف دموعها الحارقة ....... تشعربها ...... تألمت أمها في حدة ....... لتقع عليها الأمر في قسوة كالجمر الملتهبة على قلبها ....... تسير ببطء وبصمت ..... لتلقي بثقلها إلى أقرب مجلس لها ......... بينما دلفت هي إلى الداخل بعد أن خرج إليها أخيها المعاق ينظر بتعجب لهما ......سارت إلى حجرتها ...... أغلقت الباب خلفها ..... ليبقى شرارة الألم مشتعل في قلبها كالنار المستعار في جحيم حياتها المؤلمة ............" .............. تمت ............... "

حبها الصامت








" .... نورة ... نورة ..."

لم تجب على نداء امها بل كانت منشغلة بكتابة مذكراتها الخاصة ، أعادت أمها لها النداء مرة آخرى ... فلم تجب أتت حينها والدتها إليها لتسألها :
ــــ نورة مابــــك !! .... لمـــــا لا تجيبين على ندائي ؟؟
ـــ أسفة ياأمي كنت منشغلة بكتابة الدرس ....
ـــ تعالي فجارتنا أم وليد بانتظارك لسلام عليك ..

تنهض بعدما أخبات دفترها الخاص في أحد أدارج مكتبها ... وما ان ابدلت ثيابها حتى قدمت إليهم ، تبسمت أم وليد بحنان لتحيطها بذراعيها فتجلسها بجوارها ... كانت من الواضح إنها ليست زيارة عادية لألقاء السلام عليها ، بل كانت بداية لشيء تجهله نورة ، بداية أو نقطعة تحول في حياتها فأم وليد كانت ترغب في خطبة نورة على أبنها " وليــد" والوحيد لأمه وأبيه من بين خمس أخوات اناث .... لم تكن نورة تعلم بما يدور بين والدتها وأم وليد كل ما في الأمر أنها مجرد زيارة قبل أن تبدأ العطلة الصيفية .
وقبل أن تلتقي نورة بمن أختار قلبها العطوف ليفز طربا كلما تصادف أن رآها .... انه " سليمان " اخو صديقتها مشاعل في المدرسة مع أنه يكبرعنها بسبع سنين ... كان يدرس في الجامعة بقسم الإعلام .. كان حلم حياته أن يكون صحفياً مبدعا ً لامعاً في جريدة كبرى ذات أنتشار واسع ن هكذا ما كانت تتحدث عنه أخته مشاعل إليها ...كان وسيما يقدر ما أحبته وأخفت حبها عن الجميع ، كان ذا هيبة ووقار بقدر ما أسر أنفاسها حينما تجده أمامها ومع ذلك لم تستطع أخفاء تلك الاحاسيس والمشاعر التي تفز وسط أضلاعها حينما تراه .... لم تدرك كم من الوقت مضى ، وهي غارقة في أحلامها .... تبحث عن صورة لفارس أحلامها الذي سياتي ليأخذها إلى مكان خال من البشر سواهما يتوجهما حبهما العذري ... وبينما هي كذلك إذ باغتتها " أم وليد " جارتهم بإلقاء السؤال عليها :

ـــ نورة .... ما رأيك بما قد قالته أمك ...؟
تلعثمت وأحتارت فيما تقوله ... حتى أجابت :
ـــ لا بأس .... هذا جيد ... !

نظرت إليها " أم وليد " حتى قالت :
ـــ نورة ... هل انت معنا ...

شعرت بالحرج الكبير حتى قالت ، وهي تفرك اصابع يديها على فخذيها :
ـــ الواقع ... أنني منشغله بعض الشيء فلدي يوم السبت القادم الأمنتحان النهائي .... لهذا أشعر بالتوتر والأرتباك وعدم التركيز فيما قلتما ...

حينها وجدت فرصة لا تعوض فستأذنت قائلة :
ـــ عذراً .... ولكن يجب عليّ أن انتهي من المذاكرة ...
نهضت حينها لتدخل نحو حجرتها .. تلمست أدراج مكتبها لتخرج دفترها الخاص ذا اللون الوردي ، لقد اهدته أليها صديقتها " مشاعل " فتحت صفحاته لتجد ما دونته عنه ، ... انه هو ... من استحل عقلها وحوله على عالم من الخيال السحري ...وصلت إلى الصفحة ذاتها ، أكملت ما بدات به ..


" في ذلك اليوم لاول مرة أشعر برياح خفيفة تحرك خصلاتي شعري وتأخذني إلى اعلى قمة الجبال ... اشعر بأنني أطير .... احلق في السماء ... نظرت إليه .... لا أعلم كم من الوقت مضى ، رأيته يمسك باخته ويسير بها نحو الشارع المقابل للمدرستي ن يقطعان الطريق سويا ، حتى أوصلها إلى موقف سيارته ..... ياله من موقف رائع لن أنساه .... لقد شعرت به ، كانه يمسك بيدي بدلاً عنها .... ونقطع الطريق سويا ً .... نسير بجوار بعض ... حتى يوصلني إلى طريق يخلو من ضجيج البشر وزعيق الطير ومواء القطط ...مكان يخلو من جميع الكائنات ... لا صوت الإ صوت أنفاسي ..... لا حركة إلا حركة يديه يحملني بعيداً ....بعيداً عن الأنظار ... وما تخفي أعيننا من الحب الفاضح ، يحملني إلى جزر رمالها ذهبية لامعة أشجارها جوز الهند العملاقة ، وشاطئها يعبق بنسيم الحياة الهادئة سرنا نحو البحر بامواجه الصغيرة المتلاطمة ،كانها لعبة الأطفال البريئة ، حيث مياه البحر الدافئة ... تضفي نوعا من نسيم دافي يشعل حرارة أنفاسنا لهفة وأشتياق ... سرنا حتى غطت أقدامنا بمياها وتداعبنا أمواجها لغطس بها .... اشعر باقترابه مني وهو يداعب أناملي حتي يحتضن كفي بكلتا يديه فيرفعها إلى شفتيه ليقبلها ويهمس لي بحنان متدفق :

" ..... أحبك ...احبك .....أحبك ..... "


وليرددها لي مسمعي ليل نهار .... لاضمه وأدفن وجهي على صدره وابكي .... أبكي لشدة فرحي ....... أم من شدة سعادتي والتي عجزت أن أخفيها داخل أنفاسي .... أنه ملكي لي أنا ..... لوحدي .... وهو الوحيد الذي يملكني ..... يملك كياني وروحي ...أبكي كلما ردد علي كلمات الحب والشوق ... أم كلما شعرت بحنينه وغرامه لي .... أأبكي له .... أأبكي من شدة ولعي وعشقي به ...... " .


حينها تتقاطر دموعها على صفحة ورقتها لتمسحه باطراف أناملها وهي تقول :
كلما أتذكرك ..... وأشتاق إليك .... لرؤيتك يزداد حبي لك ...

" سلمان " ..... رددتها بعمق لتضم دفترها بين صدرها وهي تهمس من بين دموعها التي أنسابت على خديها ..:
أحـــــبـــك ...!!!

تسمع طرقات الباب ن تنهض سريعا لتفتح الباب بعد أن خبات دفترها الوردي أسفل الدولاب ، فإذ بامها تنظر إليها وبنوع من الود تسالها :
ـــ أما أنتهيت بعد من درسك ...؟؟
تبتسم بعفوية وهي تخفي توترها لتجيب :
ــــ الواقع لا ....... ولكن هل من شيء يا امي ...


أخذت تنظر إليها مليئا ً تتخيلها يوماً ما بفستان زفافها ورائحة العود والبخور يعم المكان وسط تناثر الزهور والورد حولها ...ووسط زغاريد النساء لتسير الهوينا وهي ممسكة بباقة ورد حمراء باوراق الشجر الاخضر الذي يفترش نصف فستانها الأبيض اللامع .... تسير خلفها لترفع ذيل فستانها المذيل بتطاريز ذهبية ناعمة .... بينما هي تسير نحو القاعة استعداداً لزفافها امام الجمع الغفير من المدعويين الذين أتوا أبتهاجاً وتبريكاً ليومها السعيد .... ستودعها حتما ً .... سترحل مع زوجها ..... ستذهب عنها قريباً .... ستغدو يوماً أم لأطفالها ..... ستودع طفولتها البريئة ... ومراهقتها الرقيقة ..... لتحمل على عاتقها مسؤولية جسيمة كما حملته وهي صغيرة ، في تربية أخوانها الصغار ، لتكون لهم الأب والأخ المعين بعد وفاة أبيها وهي ذات سبع سنين وها هي الآن غدت بنت خمسة وعشر خريفاً ، مازالت في مهد شبابها الذي ابتدا وكهولة طفولتها التي اوشكت أن تتبدد ملامحها على محياها ،حينها دمعت عينها دموع الحسرة والألم أم دموع الفرحة والسعادة ، لم تكن تعلم ما هذه الدموع ؟؟ الإ عندما سالتها أبنتها نورة :
ـــ امي .... مابـــك ؟ ..... لماذا تدمع عيناك ؟

حينها تنبهت لوجودها فأحتضنتها قائلة :
ـــ نورة .... اعرف بأنك ما زلتي صغيرة... ولكن ياابنتي هذه سنة الحياة ... لا أعرف بماذا أقول لك ...وأعرف بانك ما زلتي صغيرة على هذا القول .... ولكن يتوجب علىّ فعل هذا !! .....

ياأبنتي لقد غدوة شابة ناضجة .... وحان الوقت الذي تستقرين فيه مع زوجك..!!
أبتعدت عنها فجأة وهي تنظر إليها وقد عقدت الدهشة لسانها مما ستقوله ....

فجلست أمها بأقرب مقعد لها ... فاردفت لها بود طاغ :
ـــ اعلم بأن الوقت ما زال مبكرا لقول مثل هذه الأمور .... وأعلم أن الامتحانات على الابواب ولكن أم وليد ترغب بان تكوني زوجة لابنها وليد .... أبنها الوحيد .... صحيح إنه لا يعمل الأن ...... و لا يستطيع أن يوفر لك بيتا جميلا كما كنت تحلمين به ....ولكن الستر لك يأبنتي أجمل ..... ستتزوجينه وستستقرين معه ومع أسرته ، لأنه المعيل لهم بعد عمهم خالد ....... سيعمل يأبنتي ، وهذه آخر سنة له في الدراسة ،هكذا قالت لي أم وليد ....... وبعدها ستنتقلين إلى منزلهم الجديد وبجوارنا أيضا ... هكذا ساطمئن عليك ..... فلن تبتعدي عني يابنتي ..... حيث أنا واخوتك سنكون بقربكم ..... وهذا أفضل لنا جميعا ً .....

ارادت ان تتفوه بكلمة فقاطعتها أمها قائلة :
ـــ لا تخافي .... ستكملين دراستك يا عزيزتي ...!!

ظلت برهة من الوقت صامته لا تجيب ، شعرت بان أحلامها قد تحجرت أمام واقعها وان ما تخفيه بقي بصدد الذكرى ، وكأنها قطعة آثرية قد وضعت في زاوية الحجرة ..... لقد أنصدمت بواقعها الذي لازمها منذ مهد طفولتها ، تمنت للحظة أن يكون والدها موجود امامها ، عادت بها الذكرى ليوم وفاته ....... شعرت بالحنين إليه ..... خصوصا بعد ان مات وهي في سن السادسة ، وفي أول مرة بحياتها تدخل المدرسة بدونه ن كان حلمها ان يذهب بها إلى المدرسة ليوصلها أمام مرى أعين البنات ، تود ان يحضر لها الحلوى وبعض المشروبات الغازية ...... تريد ان تثير غضبهن ...... خصوصا وهن يسيرن بجوارها ..... ولكن ضاع حلمها بلحظة وفاته ، أصبحت تسير على قدميها .... كل يوم ، وهي تنظر إلى صديقاتها اللاتي يركبن بجوار أولياء أمورهن ... بالسيارة وينظرن من خلف النافذة صديقاتها الآخريات اللاتي أخذن بالسير على اقدامهن .... كانت واحدة منهن تتأمل بحسرة وقهر شديد فلطالما حلمت يوما بهذا ...... ولكن القدر قد سلب حلمها الطفولي ....... كل يوم تسير وهي تنظر إلى صديقاتها وبالاخص صديقتها " أسماء " حينما يأخذها اباها من المدرسة كان يناديها باعلى صوته لتركض إليه فيحتضنها ويحملها بين ذراعيه وهو يخرج لها ما يخفيه بجيبه قطعة الحلوى شكولاته لذيذة مغلفة بقرطاستها الذهبية اللامعة ...... كل يوم ترى أحوال صديقاتها في أفضل حال منها ، وتمضي سنوات عدة وهي تتحسر بألم صامت .......

حتى أتى يوم و ألتقت بصديقتها " مشاعل " .... وهناك تعرفت على أخيها " سلمان " .... كانا يسيران سويا على اقدامهما يمسك بيدها دائما ً ....... صحيح انه لا يملك مالاً ليهدي لأخته حلوى أو علبة شكولاته ، ولا سيارة ليستقل بها إلى منزلهم ولكنه كان حنونا ً عليها يسير بجوارها دائما ً ، ...... حتى اتي يوما ً كان ممطراً وهي تقف عند باب المدرسة ، أتى ليأخذ أخته وبيده مظلة ن فلما رأها حتى دعاها لسير معهم ..... ولكنها رفضت إلا أنه ألح عليها كي لا تبتل ملابسها وتبرد ، أقتنعت وذهبت معهم ن لم تنسى يومها حينما أبتل هو بالماء بينما كان حريصا كي لا تبتل هي واخته .. لم تنسى لحظتها ..... كم كان رفيقاً بهما ..... كانت تخشى أن تبلل مريولها المدرسي ، أو أن يتسخ اسفلها بالطين لأن عقابها آنذاك من أمها وخيم للغاية , ويومها لم تنساه مطلقا ..... أصبح صديق طفولتها ، يلهو معهما كلما رآها ..... حادثها وداعبها كلما وجدها بائسة ، حتى انطبعت صورة الأخ والحبيب والرفيق بالنسبة لها ......... قاطعتها أمها من شرودها الدائم :
ـــــ نورة ..... ها .... ما رأيك فيما قد قلته ؟؟

شعرت بتوتر ..... والارتباك ..... فلم تجيبها ..... حينها أردفت أمها بشيء من الأسف :
ـــــ حسنا ً ....... ربما الوقت غير ملائم لتجيبي عليّ ....... خذي وقتك وراحتك وفكري جيداً لأن هذا مستقبلك القادم .... وهو الوحيد الذي يستطيع أن يحقق لك كل أحلامك !!

خرجت من حجرتها بينما استلقت هي على فراشها البالي ...أخذت تنظر إلى سقف حجرتها ...... حيث بنت خلال سنواتها وطوال ايامها ولياليها ، أحلامها عالياً ، نتظر بحسرة على حلمها وعلى حالها ،، اكانت رهينة الواقع بكل أبعاده المريرة ....... اكانت بطاقة لتسير جميع احوال اسرتها وتدفعهم على الأفضل ..... أم ورقة يتلاعب بها الأيام كيفما شاء ..... أنها لاتدرك ما هيتها بالضبط !!
عادت إلى دفترها لتخرجه من مخبأه ولتعبر فيها عن سخطها ورضاها ... عن ألمها وحزنها .... عن كل لحظة سعادتها وفرحها ... وبكل تفاصيل حبها العذري ، الذي شهد أيامه البائسة ،، باوراقها الصغيرة تدون ...... وتدون ما أستجد من حياتها القادمة ..... ربما يوماً ما سيكون شهيداً على مقتل حبها بالواقع القاتل لأحلامها ........ ولبقى الحكم مستأنفا ً ..... على قيد ذمة التحقيق ..... وليتكرر مشهد الجلسات حتى يصدر على الواقع القاتل بالبرئه ، لأنه الاقوى والأبقى ، بينما يكون على حبها حكم الأعدام ..... وإلى الابد ........



" ......... تمت ........ "