قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

المحطة الثالثة

on الجمعة، 24 أبريل 2009









توقف القطار عند المحطة الثالثة ... ونزل جميع من كان على متنها .. الإ هي .. فقط ظلت صامته قابعة في مكانها ...لا تتحرك .. مضت نصف ساعة حتى تحرك القطار مرة أخرى ... اقترب منها رجلا ً كان في العقد الثالث من عمره وقد ارتسمت على محياه علامات الوقار والاحترام .. استأذنت منها بالجلوس في المقعد المجاور ... فنظرت له بتعجب قبل أن تأذن له .. حينها خلع جيب سترته واتخذ مكانه للجلوس واخرج من حقيبته جريدته المفضلة نظرت إليه باستغراب ولكنها لم تلقي بالا ً له .. مرت دقيقة حتى استرجعت ما رأته ... عادت لتنظر إليه ومما يحمله بيده .. لمحت تاريخ إصدار الجريدة .. فنظرت إليه بتعجب أكثر .. قاطعتها سؤال امرأة كانت في منتصف العشرينات تقريبا ً ذات ملامح من دول شرق أسيا قائلة :
أي خدمة لكما ..؟؟
أسرعت بالسؤال لها قبل الإجابة عليها :
أليوم هو الأحد ..!!
أجابتها بكل هدوء : نعم
أعادة إليها السؤال مرة أخرى وهل تاريخ اليوم هو 26 من هذا الشهر ..
فتطلعت إليها بضع لحظات قبل إن تجيب : نعم !!
شكرتها .. فعادت تنظر إليه .. وجدته مازال يتصفح جريدته الصباحية .. حاولت التركيز أكثر حول العنوان لتجد أن تاريخ الجريدة هو 3 من نفس هذا الشهر ... تعجبت أكثر ... فما المميز لهذا اليوم ... لكنها رجحت انه ذاهب إلى مقر عمل جديد أو مطلع إلى وظيفة في مكان أخر أو يبحث له عن بيت أو سيارة لشرائها ..فعادت إلى نافذتها تطل عبرها الأراضي الشاسعة والتي خلت من الحياة بها .. ظلت لفترة حتى قاطعها سؤاله المباغت لها :
هل لديك علبة سيجارة ..؟؟
كلا ..
فاخرج من جيبه علبة سجائر وسحب واحدة منها فعدا ليسألها : هل لديك قداحة ..؟؟
كلا..
علت حينها علامات التعجب واتسعت حدة عينها وهي تنظر إليه يخرج قداحته من جيب سترته وهو يشعل سيجارته بكل هدوء وكبرياء ...عادت غير مبالية لاستكمال ما كان يطلع إليه..
لم تستطع أخفاء علامات التعجب والتي ارتسمت على محياها ..ولكنها حاولت بقدر الإمكان الانشغال عنه بقراءة كتابها المفضل والشهير ( مسرحية شكسبير – الجزء الخامس ) من فصوله... وبينما هي مستمتعة ومندمجة بالقراءة حتى شعرت بحركة خفيفة تتحرك نحو كتفيها .. فهزت كتفها نحو رأسها .. وتابعت قراءتها ... ولكنها شعرت مرة أخرى بدبيب الحركة تسري على كتفها مرة أخرى ... فمدت يدها لتبعد ما علق بكتفها وما أن لامست يداها شيء بارد .. سحبت يدها سريعا ..وتوقفت لبرهة من الوقت لتستوعب ما تم ملامسته فألتفت لترى من خلفها حتى شعرت بتلك الضربة القاسية والتي جعلتها ترتطم رأسها بالنافذة .. حتى غابت عن الوعي لفترة ... مرت سويعات قليلة حتى استعادت وعيها ببطء ... دقائق حتى تذكرت ما حصل لها لتطبق شهقتها وهي تنظر ممن حولها ... رأته هو ... الكائن بجوارها ... وقد شق نصف وجه بالدماء ... وشق نصف فمه ليبرز عظم فكه الأسفل من بين الدماء ... ارتاعت لهذا المشهد المخيف وانتبها حالة هستيرية من الصراخ والبكاء والهلع ...أسرعت بالهرب وهي تستنجد وتصرخ طلبا ً للنجدة .. حتى وصلت إلى مقطورة القاطرة ..ووجدت سائقها مع بعض من رجاله ... بعد أن وصفت له ما حصل ..حتى اتجهت لتريهم مكان الجريمة .. وما إن وصلوا وهي تشير لهم ..قائلة :
هذا هو ...انه هو .. لقد كان بجوارها وقد طلب مني علبة سجائر .. و .
قاطعها سائق القاطرة قائلا ً :
أنني لا أرى أحدا ً ..
توقفت لبرهة وهي تحاول أن تستوعب ما تفوه به واتسعت حدة عينها أكثر عندما لم تجده بجوارها فصرخت كالمجنونة :
أنه .. هو .. لا هو كان بجواري وقد طلب مني علبة سجائر ولكنها أخـ...
قاطعها بشدة :
ولكن أين هو ... !!! سيدتي لا يوجد احد هنا مجاور بالمقصورة ..؟؟
نظرت إليه مليا ً
حتى عادت لتنظر نحو مقعدها ... فعلا ..لا أثر له ... وكأنما هو حلم ... ليس حقيقة ... لا أثر لدماء ... ولا شيء
توترت وارتعشت أطرافها وهي تتحسس مقعدها ... تنظر حولها أن كان وضع حقيبته السوداء أو سترت جيبه .. وكلن لا اثر له ..لا يوجد أحد ..المكان خاليا ً تماما ً أطبقت أنفاسها وهي تحاول أن تبرر موقفها ومما حصل :
فبادرها سائق المقطورة قائلا ً :
سيدتي هل أنت بخير ..؟؟
فأجابت بحزم بعد أن تطلعت إليه للحظة : نعم ... نعم وبكل تأكيد ..
حينها عادت إلى مقعدها ... وهي تتوجس خوفاً من ظهورها مفأجات الطريق لها .. ظلت لبرهة من الوقت وهي تنظر إلى نافذتها وتحاول استرجاع ما حدث لحولها .. حتى شعرت بدبيب الارتياح يسري في أنفاسها وانحت برأسها نحو النافذة ليغالبها النعاس ... مرة لحظات حتى شعرت بتوقف القطار وهدير محركه المزعج .. ووجدت أن اغلب المسافرين قد هموا للنزول .. فاستعدت للنزول ... وحملت حقيبتها وأمتعتها ... وحينما أرادت النهوض من مقعدها وجدت عود السجائر موضوعا ً بطرف مقعدها ... تطلعت إليه لبرهة ... مازال مشتعلا ً .. ولم يطفأ بعد .. أهذا معناه ... أيعني انه ....؟؟
رددتها بعمق بينما تملكها أحساس مخيف بوجود أمر غريب فأسرعت بالنزول خصوصا بعد أن ضرب سائق القاطرة بوق القطار لتصدر صوتها المجلجلة الأركان ووصلت إلى بابا الخروج ... وحاولت أن تستبق بعض الركاب بالنزول .. إذا ازدحم الباب بالمغادرين والقادمين ... وما أن وطأت أقدامها أرضا ً حتى سارعت بالركض نحو محطة التوقف وما أن وصلت حتى شعرت بالارتياح وهي تنظر إلى القاطرة وقد بدأ للتو بالتحرك .. استكملت إجراءاتها .. وأخذت بصالة الانتظار الخارجية ... فوضعت أمتعتها واتخذت مجلسها حتى ارتخت قليلا وما أن مدت رأسها إلى الوراء وأطبقت عينيها بعمق وهي تطلق أنفاسها عاليا ً بالهواء حتى فاجأها صوته قائلا ً :
أهلا ً بك في المحطة الثالثة سيدتي ..!!
فأجابت والارتياح باديا عليها :
شكرا لك .. وأخيرا وصلت إلى المحطة الثـ ...!!!!!
لم تستكمل جملتها حتى فتحت عينها وهي تنظر إلى لافته المدخل سريعا فنطقت : الثالثة !!
كلا ... لقد مررت بالمحطة الثالثة .. يبدو انك مخطئ أيها السيد ..
لم تستكمل حتى علا علامات الرعب الهائل في تقاسيم وجهها وارتعت أطرفها خوفا ً أكثر حينما نظرت إليه .. لم تتوقع أن يحدث .. إن يصادفها حظ عاثر وسيئ كهذا .. بأنفاس الهلع تأكدت أنه .. هو .. لقد كان هو ... هو بذاته .. من كان بجوارها بمقعد القاطرة ..!!!!

" ......... تمت ........ "

1 التعليقات:

ريم حمد يقول...

جدا استمتعت بقراءتها

أشكركـ من كل قلبي ،،