قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

حبها الصامت

on الجمعة، 3 أبريل 2009








" .... نورة ... نورة ..."

لم تجب على نداء امها بل كانت منشغلة بكتابة مذكراتها الخاصة ، أعادت أمها لها النداء مرة آخرى ... فلم تجب أتت حينها والدتها إليها لتسألها :
ــــ نورة مابــــك !! .... لمـــــا لا تجيبين على ندائي ؟؟
ـــ أسفة ياأمي كنت منشغلة بكتابة الدرس ....
ـــ تعالي فجارتنا أم وليد بانتظارك لسلام عليك ..

تنهض بعدما أخبات دفترها الخاص في أحد أدارج مكتبها ... وما ان ابدلت ثيابها حتى قدمت إليهم ، تبسمت أم وليد بحنان لتحيطها بذراعيها فتجلسها بجوارها ... كانت من الواضح إنها ليست زيارة عادية لألقاء السلام عليها ، بل كانت بداية لشيء تجهله نورة ، بداية أو نقطعة تحول في حياتها فأم وليد كانت ترغب في خطبة نورة على أبنها " وليــد" والوحيد لأمه وأبيه من بين خمس أخوات اناث .... لم تكن نورة تعلم بما يدور بين والدتها وأم وليد كل ما في الأمر أنها مجرد زيارة قبل أن تبدأ العطلة الصيفية .
وقبل أن تلتقي نورة بمن أختار قلبها العطوف ليفز طربا كلما تصادف أن رآها .... انه " سليمان " اخو صديقتها مشاعل في المدرسة مع أنه يكبرعنها بسبع سنين ... كان يدرس في الجامعة بقسم الإعلام .. كان حلم حياته أن يكون صحفياً مبدعا ً لامعاً في جريدة كبرى ذات أنتشار واسع ن هكذا ما كانت تتحدث عنه أخته مشاعل إليها ...كان وسيما يقدر ما أحبته وأخفت حبها عن الجميع ، كان ذا هيبة ووقار بقدر ما أسر أنفاسها حينما تجده أمامها ومع ذلك لم تستطع أخفاء تلك الاحاسيس والمشاعر التي تفز وسط أضلاعها حينما تراه .... لم تدرك كم من الوقت مضى ، وهي غارقة في أحلامها .... تبحث عن صورة لفارس أحلامها الذي سياتي ليأخذها إلى مكان خال من البشر سواهما يتوجهما حبهما العذري ... وبينما هي كذلك إذ باغتتها " أم وليد " جارتهم بإلقاء السؤال عليها :

ـــ نورة .... ما رأيك بما قد قالته أمك ...؟
تلعثمت وأحتارت فيما تقوله ... حتى أجابت :
ـــ لا بأس .... هذا جيد ... !

نظرت إليها " أم وليد " حتى قالت :
ـــ نورة ... هل انت معنا ...

شعرت بالحرج الكبير حتى قالت ، وهي تفرك اصابع يديها على فخذيها :
ـــ الواقع ... أنني منشغله بعض الشيء فلدي يوم السبت القادم الأمنتحان النهائي .... لهذا أشعر بالتوتر والأرتباك وعدم التركيز فيما قلتما ...

حينها وجدت فرصة لا تعوض فستأذنت قائلة :
ـــ عذراً .... ولكن يجب عليّ أن انتهي من المذاكرة ...
نهضت حينها لتدخل نحو حجرتها .. تلمست أدراج مكتبها لتخرج دفترها الخاص ذا اللون الوردي ، لقد اهدته أليها صديقتها " مشاعل " فتحت صفحاته لتجد ما دونته عنه ، ... انه هو ... من استحل عقلها وحوله على عالم من الخيال السحري ...وصلت إلى الصفحة ذاتها ، أكملت ما بدات به ..


" في ذلك اليوم لاول مرة أشعر برياح خفيفة تحرك خصلاتي شعري وتأخذني إلى اعلى قمة الجبال ... اشعر بأنني أطير .... احلق في السماء ... نظرت إليه .... لا أعلم كم من الوقت مضى ، رأيته يمسك باخته ويسير بها نحو الشارع المقابل للمدرستي ن يقطعان الطريق سويا ، حتى أوصلها إلى موقف سيارته ..... ياله من موقف رائع لن أنساه .... لقد شعرت به ، كانه يمسك بيدي بدلاً عنها .... ونقطع الطريق سويا ً .... نسير بجوار بعض ... حتى يوصلني إلى طريق يخلو من ضجيج البشر وزعيق الطير ومواء القطط ...مكان يخلو من جميع الكائنات ... لا صوت الإ صوت أنفاسي ..... لا حركة إلا حركة يديه يحملني بعيداً ....بعيداً عن الأنظار ... وما تخفي أعيننا من الحب الفاضح ، يحملني إلى جزر رمالها ذهبية لامعة أشجارها جوز الهند العملاقة ، وشاطئها يعبق بنسيم الحياة الهادئة سرنا نحو البحر بامواجه الصغيرة المتلاطمة ،كانها لعبة الأطفال البريئة ، حيث مياه البحر الدافئة ... تضفي نوعا من نسيم دافي يشعل حرارة أنفاسنا لهفة وأشتياق ... سرنا حتى غطت أقدامنا بمياها وتداعبنا أمواجها لغطس بها .... اشعر باقترابه مني وهو يداعب أناملي حتي يحتضن كفي بكلتا يديه فيرفعها إلى شفتيه ليقبلها ويهمس لي بحنان متدفق :

" ..... أحبك ...احبك .....أحبك ..... "


وليرددها لي مسمعي ليل نهار .... لاضمه وأدفن وجهي على صدره وابكي .... أبكي لشدة فرحي ....... أم من شدة سعادتي والتي عجزت أن أخفيها داخل أنفاسي .... أنه ملكي لي أنا ..... لوحدي .... وهو الوحيد الذي يملكني ..... يملك كياني وروحي ...أبكي كلما ردد علي كلمات الحب والشوق ... أم كلما شعرت بحنينه وغرامه لي .... أأبكي له .... أأبكي من شدة ولعي وعشقي به ...... " .


حينها تتقاطر دموعها على صفحة ورقتها لتمسحه باطراف أناملها وهي تقول :
كلما أتذكرك ..... وأشتاق إليك .... لرؤيتك يزداد حبي لك ...

" سلمان " ..... رددتها بعمق لتضم دفترها بين صدرها وهي تهمس من بين دموعها التي أنسابت على خديها ..:
أحـــــبـــك ...!!!

تسمع طرقات الباب ن تنهض سريعا لتفتح الباب بعد أن خبات دفترها الوردي أسفل الدولاب ، فإذ بامها تنظر إليها وبنوع من الود تسالها :
ـــ أما أنتهيت بعد من درسك ...؟؟
تبتسم بعفوية وهي تخفي توترها لتجيب :
ــــ الواقع لا ....... ولكن هل من شيء يا امي ...


أخذت تنظر إليها مليئا ً تتخيلها يوماً ما بفستان زفافها ورائحة العود والبخور يعم المكان وسط تناثر الزهور والورد حولها ...ووسط زغاريد النساء لتسير الهوينا وهي ممسكة بباقة ورد حمراء باوراق الشجر الاخضر الذي يفترش نصف فستانها الأبيض اللامع .... تسير خلفها لترفع ذيل فستانها المذيل بتطاريز ذهبية ناعمة .... بينما هي تسير نحو القاعة استعداداً لزفافها امام الجمع الغفير من المدعويين الذين أتوا أبتهاجاً وتبريكاً ليومها السعيد .... ستودعها حتما ً .... سترحل مع زوجها ..... ستذهب عنها قريباً .... ستغدو يوماً أم لأطفالها ..... ستودع طفولتها البريئة ... ومراهقتها الرقيقة ..... لتحمل على عاتقها مسؤولية جسيمة كما حملته وهي صغيرة ، في تربية أخوانها الصغار ، لتكون لهم الأب والأخ المعين بعد وفاة أبيها وهي ذات سبع سنين وها هي الآن غدت بنت خمسة وعشر خريفاً ، مازالت في مهد شبابها الذي ابتدا وكهولة طفولتها التي اوشكت أن تتبدد ملامحها على محياها ،حينها دمعت عينها دموع الحسرة والألم أم دموع الفرحة والسعادة ، لم تكن تعلم ما هذه الدموع ؟؟ الإ عندما سالتها أبنتها نورة :
ـــ امي .... مابـــك ؟ ..... لماذا تدمع عيناك ؟

حينها تنبهت لوجودها فأحتضنتها قائلة :
ـــ نورة .... اعرف بأنك ما زلتي صغيرة... ولكن ياابنتي هذه سنة الحياة ... لا أعرف بماذا أقول لك ...وأعرف بانك ما زلتي صغيرة على هذا القول .... ولكن يتوجب علىّ فعل هذا !! .....

ياأبنتي لقد غدوة شابة ناضجة .... وحان الوقت الذي تستقرين فيه مع زوجك..!!
أبتعدت عنها فجأة وهي تنظر إليها وقد عقدت الدهشة لسانها مما ستقوله ....

فجلست أمها بأقرب مقعد لها ... فاردفت لها بود طاغ :
ـــ اعلم بأن الوقت ما زال مبكرا لقول مثل هذه الأمور .... وأعلم أن الامتحانات على الابواب ولكن أم وليد ترغب بان تكوني زوجة لابنها وليد .... أبنها الوحيد .... صحيح إنه لا يعمل الأن ...... و لا يستطيع أن يوفر لك بيتا جميلا كما كنت تحلمين به ....ولكن الستر لك يأبنتي أجمل ..... ستتزوجينه وستستقرين معه ومع أسرته ، لأنه المعيل لهم بعد عمهم خالد ....... سيعمل يأبنتي ، وهذه آخر سنة له في الدراسة ،هكذا قالت لي أم وليد ....... وبعدها ستنتقلين إلى منزلهم الجديد وبجوارنا أيضا ... هكذا ساطمئن عليك ..... فلن تبتعدي عني يابنتي ..... حيث أنا واخوتك سنكون بقربكم ..... وهذا أفضل لنا جميعا ً .....

ارادت ان تتفوه بكلمة فقاطعتها أمها قائلة :
ـــ لا تخافي .... ستكملين دراستك يا عزيزتي ...!!

ظلت برهة من الوقت صامته لا تجيب ، شعرت بان أحلامها قد تحجرت أمام واقعها وان ما تخفيه بقي بصدد الذكرى ، وكأنها قطعة آثرية قد وضعت في زاوية الحجرة ..... لقد أنصدمت بواقعها الذي لازمها منذ مهد طفولتها ، تمنت للحظة أن يكون والدها موجود امامها ، عادت بها الذكرى ليوم وفاته ....... شعرت بالحنين إليه ..... خصوصا بعد ان مات وهي في سن السادسة ، وفي أول مرة بحياتها تدخل المدرسة بدونه ن كان حلمها ان يذهب بها إلى المدرسة ليوصلها أمام مرى أعين البنات ، تود ان يحضر لها الحلوى وبعض المشروبات الغازية ...... تريد ان تثير غضبهن ...... خصوصا وهن يسيرن بجوارها ..... ولكن ضاع حلمها بلحظة وفاته ، أصبحت تسير على قدميها .... كل يوم ، وهي تنظر إلى صديقاتها اللاتي يركبن بجوار أولياء أمورهن ... بالسيارة وينظرن من خلف النافذة صديقاتها الآخريات اللاتي أخذن بالسير على اقدامهن .... كانت واحدة منهن تتأمل بحسرة وقهر شديد فلطالما حلمت يوما بهذا ...... ولكن القدر قد سلب حلمها الطفولي ....... كل يوم تسير وهي تنظر إلى صديقاتها وبالاخص صديقتها " أسماء " حينما يأخذها اباها من المدرسة كان يناديها باعلى صوته لتركض إليه فيحتضنها ويحملها بين ذراعيه وهو يخرج لها ما يخفيه بجيبه قطعة الحلوى شكولاته لذيذة مغلفة بقرطاستها الذهبية اللامعة ...... كل يوم ترى أحوال صديقاتها في أفضل حال منها ، وتمضي سنوات عدة وهي تتحسر بألم صامت .......

حتى أتى يوم و ألتقت بصديقتها " مشاعل " .... وهناك تعرفت على أخيها " سلمان " .... كانا يسيران سويا على اقدامهما يمسك بيدها دائما ً ....... صحيح انه لا يملك مالاً ليهدي لأخته حلوى أو علبة شكولاته ، ولا سيارة ليستقل بها إلى منزلهم ولكنه كان حنونا ً عليها يسير بجوارها دائما ً ، ...... حتى اتي يوما ً كان ممطراً وهي تقف عند باب المدرسة ، أتى ليأخذ أخته وبيده مظلة ن فلما رأها حتى دعاها لسير معهم ..... ولكنها رفضت إلا أنه ألح عليها كي لا تبتل ملابسها وتبرد ، أقتنعت وذهبت معهم ن لم تنسى يومها حينما أبتل هو بالماء بينما كان حريصا كي لا تبتل هي واخته .. لم تنسى لحظتها ..... كم كان رفيقاً بهما ..... كانت تخشى أن تبلل مريولها المدرسي ، أو أن يتسخ اسفلها بالطين لأن عقابها آنذاك من أمها وخيم للغاية , ويومها لم تنساه مطلقا ..... أصبح صديق طفولتها ، يلهو معهما كلما رآها ..... حادثها وداعبها كلما وجدها بائسة ، حتى انطبعت صورة الأخ والحبيب والرفيق بالنسبة لها ......... قاطعتها أمها من شرودها الدائم :
ـــــ نورة ..... ها .... ما رأيك فيما قد قلته ؟؟

شعرت بتوتر ..... والارتباك ..... فلم تجيبها ..... حينها أردفت أمها بشيء من الأسف :
ـــــ حسنا ً ....... ربما الوقت غير ملائم لتجيبي عليّ ....... خذي وقتك وراحتك وفكري جيداً لأن هذا مستقبلك القادم .... وهو الوحيد الذي يستطيع أن يحقق لك كل أحلامك !!

خرجت من حجرتها بينما استلقت هي على فراشها البالي ...أخذت تنظر إلى سقف حجرتها ...... حيث بنت خلال سنواتها وطوال ايامها ولياليها ، أحلامها عالياً ، نتظر بحسرة على حلمها وعلى حالها ،، اكانت رهينة الواقع بكل أبعاده المريرة ....... اكانت بطاقة لتسير جميع احوال اسرتها وتدفعهم على الأفضل ..... أم ورقة يتلاعب بها الأيام كيفما شاء ..... أنها لاتدرك ما هيتها بالضبط !!
عادت إلى دفترها لتخرجه من مخبأه ولتعبر فيها عن سخطها ورضاها ... عن ألمها وحزنها .... عن كل لحظة سعادتها وفرحها ... وبكل تفاصيل حبها العذري ، الذي شهد أيامه البائسة ،، باوراقها الصغيرة تدون ...... وتدون ما أستجد من حياتها القادمة ..... ربما يوماً ما سيكون شهيداً على مقتل حبها بالواقع القاتل لأحلامها ........ ولبقى الحكم مستأنفا ً ..... على قيد ذمة التحقيق ..... وليتكرر مشهد الجلسات حتى يصدر على الواقع القاتل بالبرئه ، لأنه الاقوى والأبقى ، بينما يكون على حبها حكم الأعدام ..... وإلى الابد ........



" ......... تمت ........ "

3 التعليقات:

نورة السبيعي يقول...

قصة رائعة أختي عبير
دمتي ،،

ريم حمد يقول...

جدا استمتعت بقراءتها

أشكركـ ،،

غير معرف يقول...

بهاء حرفك قد طغى
وزادني بهاء على بهاء
بارك الله حرفكِ
فأنت مناره للأحلاق والجمال
..
دمتِ بخير
سناء البحيري