قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

الجسر المعلق

on الثلاثاء، 23 يونيو 2009



تنهدت بعمق لتقول بعد إن نفذ الصبر منها
آه ... أعوام طويلة مرت .. ولم أشعر بها .. ، يا ألهي لا اصدق ... كم مضت معها من الذكريات والمواقف الصعبة والمضحكة أيضاً ...
كم لحظة جميلة وفترة بسيطة .. أصبحت محفوظة في الذاكرة ، ليحيطها أطار من أروع الأيام وأجملها ... آه .. يا لها من سنين
تسارعت الواحدة تلو الأخرى .. دون أن أجني شيئاً ... وها أنا الآن وحيدة في هذا المنزل ..
بعدما ذهب الجميع وابتعدوا عني .. كل واحد قد سار في طريه الذي سلكه ،آه لقد اشتقت إليك يا أبنتي الغالية ، ترى ما حالك الآن ..؟؟
هل أنت بخير ... ؟ هل تشعرين بالسعادة مع زوجك وبين أبنائك ؟ يا ألهي كم يبلغ عددهم .. هل هم صغار أم كبار ؟ أهم يشبهونني عندما كنت صغيرة أم يشبهونك ، أم يشبهون زوجك ؟!
أبعدت مجموعة من الصور الخاصة با أبنتها لتجد صور زفافها .. هتفت بلوعة :
مازلت أتذكر أبيكم ، حينما قدم لخطبتي ... كم كنت حينها سعيدة ، لا سيما أننا عشنا قصة حب برئيه منذ الصغر .. نعم أتذكره جيداً
كنا أصدقاء وكنا ندرس في مدرسة واحدة إلى الآن التحقنا بجامعة عين شمس ... كانت سعادتي كبيرة ، كانت تجمعنا المكتبة التي شهدت أروع لحظاتنا ...
يا لها من ذكرى جميلة ... كم كنت أحبه ..
كم بادلني من المشاعر الصادقة إلى أن أتى هذا اليوم الذي جمعنا في بيت واحد ، برباط مقدس
لم يكن لقصتنا مثيل خاصة بعد أن أبتعث ليكمل دراسته وقرر أن يؤجل رحلته ، لكني رفضت وأصريت على إكمال دراسته ، تحولت إلى طالبة منتسبة وسافرت معه إلى بلاد الغربة ، هناك كم شعرنا بالوحدة وكم حنينا إلى الوطن الكبير ، لكننا أستمرينا في العيش وأنجبت وائل ثم كمال وأخيراً منال .. أبنائي الأعزاء .. متى سيجمع الله شملكم ، بعد أن ذهب كل واحد منكم إلى جهة
بودي لو أراكم ساعة ... نعم ساعة واحدة تكفي ... ساعة لا أكثر
احتضنت صورهم وهي تطلق زفرة طويلة من صدرها الحاني وتنساب الدموع من عينيها ...
ازداد قلبها ولعاً ونفسها عشقاً ، بفلذات كبدها
التهبت مشاعرها وجاشت عاطفتها وأمومتها .... لم تعد تطيق ، فقد طال انتظارها وسط مناشدتها اليائسة شعرت بأن ما ترغب به هو حق لها ، ما تطلبه ليس مستحيل ولا كثير فهي تود القليل ... القليل فقط ..
منذ زمن ، لم تسمع عن أخبارهم شيئاً ... لا تعلم ... عن أحوالهم أي شيء ... ، داهمها حزن عميق ، تفطر قلبها ألماً ....نهضت بحسرة كبيرة ، أخذت تسير في أرجاء المنزل متكئة على العصا الخشبية في يدها ..
أصبح المشي أمراً ثقيلاً ... توقفت للحظات تتأمل صور شتى معلقة في كل زاوية ، توقفت بصمت أمام صورة كبيرة كساها التراب والغبار ... اقتربت أكثر ... أخذت تمعن النظر
مدت يدها حاولت مسح ما استطاعت مسحه
رأت بعينيها الذابلتين صورة تجمعها هي وزوجها بأبنائها الثلاثة ... على الجسر المعلق ، في روما .. تذكرت تفاصيل تلك الرحلة الممتعة وسط المناظر الخلابة ، والأشجار العالية تساءلت :
هل مازالت روما كما هي أم أنها تغيرت كما تغير حالي ، تراجعت إلى الوراء بضع خطوات لتعيد للذاكرة ما أندثر عبر الجسر المعلق ، كان أبنها وائل وقتها لم يتجاوز الخامسة وكمال الثالثة ومنال في عامها الأول .. صور لطفولة برئيه بملامح الفضول والشقاوة .. .أخذت تتأمل بصمت هادئ ، حتى أنكبت على مقعدها المتأرجح لتطل على النافذة التي توقف عليها ثلاث عصافير بألوانها الساحرة .. تأملتهم مليئاً ... وإلى أنغام لحنهم أنصتت ، سقطت عيناها على صورة أبنها وائل في أول مراحل الدراسة بلباسه الجديد وحقيبته الصغيرة وهو يقبلها بحنان
لم تنسى تلك اللحظات السعيدة ، هتفت باشتياق متزايد
هل سيعود إليّ يوما ً ... منذ فترة وأنا لم أراه لقد علمت منذ ما يقارب العام ، أنه رزق بطفلة
ليتني أراها .. فمنذ ولادتها وحتى الآن لا أعرفها ..
كيف هي الآن ... هل تعلم بأن لها جدة ترغب في رؤيتها ... وتقبيلها ...آه ... حفيدتي ..
ليتك أمامي ، سأخذك وأحتضنك هنا .. هنا ... في صدري ...
احتضنت صورة أبنها طويلاً .... وسط دموعها الساخنة وهي تردد بعمق :
يا ألهي كم هي الحياة قاسية
أنا الآن وحيدة خلف هذه الجدران ... وحيدة
يا ألهي .. كم هي الحياة قاسية ...!!!


" .... تمت ..."

الأرق

on الأحد، 14 يونيو 2009


كانت هذه أخر مكالمة بينهما ... بعد إن نطقها صريحة واضحة ... أنت طالق

أغلقت الهاتف على الفور ... بعدما شعرت ان أنفاسها تختنق بشدة ... فكانت أخر ما تتوقع أن يصل بينهما الأمر إلى ذلك

بعد ان عاشت قصة حب جميلة ، دامت ثلاث سنوات
دخلت حجرتها كل شيء في جسدها يشتكي من الألم والقهر والحسرة ..
ألقت بنفسها المثقل على السرير استرخت بهدوء .. تعيد لحظة حديثها الأخير ..
تراجع نفسها قائلة بصمت :
أكنت حقاً المخطئة ..أم المذنبة ... ، هل ما فعلته كان صحيحاً ... أهذا جزائي أم عقابي .. يا ألهي .. ما الذي فعلته بحق نفسي .. لقد حطمت حياتي بيدي .. طال فترة مكوثها وهي تقلب المواجع والوقائع .. لا فائدة ...
حاولت أن تستلم للنوم لكن كلما تذكرت الموقف تنهض برعب هائل
فما حصل ليس بالشيء الهين
تشعر بالغثيان قاومته بعصبية شديدة
أنتابها صداع عنيف ، ونعب وسط إرهاق شديد بتوتر أخذت تبحث عن الحبة المنومة ...
تريد أن ترتاح ... إن تتخلص مما هي فيه ... ،
مضت بضع دقائق بلا فائدة ، حاولت إيجاد شيء لإيقاف هذه الصداع القاتل

مضت ساعات أخرى طويلة ، لم تذق طعم النوم تشعر برغبة في البكاء ، كلما تذكرت أن فيصل قد تخلى عنها
أبعد هذه السنين الطويلة من التضحية والوفاء والحب والإخلاص ؟

لكنه محق ... أنه يريد أن يصبح أباً ... ، وهي لم تنجب له أبناً ... إذا من الأنانية رفض هذا ... أنه حق شرعي إن يتزوج بغيرها ... توقفت قليلاً عن التفكير ... ، شعرت بأن رأسها سينفجر من ضغط الدم ... ، بحثت مرة أخرى عن الدواء ، أخيراً عثرت عليه ... تناولت قرصين دفعة واحدة ، عادت لتسترخي بالسرير ... تتقلب كل فترة في جهة أخرى ... لم يقم المنوم بمفعولة ، لا تشعر برغبة في النوم

زاد توترها ، كلما تخليت الدف وضرب الطبول ... وهو سعيد في حفل زفافه على امرأة أخرى غيرها ..
لا حيلة لديها .. لا تستطيع فعل شيء أو بذل شيء أمن اجله .... ، لكنها تمنت له السعادة من أعماق قلبها ...
عاودها الإرهاق ...الساعة تشير إلى الثانية ليلاً ... بزرت عروقها من شدة العصبية ، اعتدلت في جلستها بعدما رفعت رأسها إلى الأعلى ثم أغمضت عيناها بقوة كأنما تريد أن تتجنب التفكير .. أو حتى الإحساس والشعور .... تريد أن تكون خالية منه تماماً ... كما فرق أواصر محبتها بورقة الطلاق ليكون الافتراق أول طريقهما ... استجمعت قواها ... واستجمعت ذرات النعاس من حولها

استرخت بهدوء ... بقيت لفترة .. لم تنم بعد ...
خيل إليها .. عاودتها صورة زوجها وهو في ليلة الزفاف تتأبط ذراعه امرأة غيرها ، شعرت بغيرة شديدة ... كادت أن تجن ... عاودها الصداع أشد من ذي قبل .. أخذت تبحث كالمجنونة عن الدواء رددت بلهفة وتوتر شديد .. :
أين ... أين وضعته ... يا ألهي ..لقد كان هنا ...
إن الصداع سيقضي علي حتماً ... كلا ...كلا ...
لن ابقي هكذا .. سأجده حتماً ...!!

أخذت تلقي بأشيائها أرضا ، تنثر أغراضها ، وجدته ... في حقيبتها .. فتحته ، تناولته سريعاً ثمة رعشة شديدة وغثيان تحاول مقاومتها .... سكبت الماء في جوفها دفعة واحدة ثم ألقت بجسدها على السرير بعنف اهتزت معه جوانبه الخشبية ... ظلت لوقت وهي ممدة بطولها مستيقظة بدأ النوم يداعب عينيها ، أخيراً شعرت بالارتياح قليلاً ... ، عاوده النوم شيئاً فشيئا ً ... لقد مضى من الوقت الكثير .. لكن لا يهم .. سأنام .. سأنام .. ولو بضع ساعات بسيطة ..
رددتها وهي تشعر بدبيب الأحلام تأتي إليها .. بلا انفعال وبلا مقاومة ... استسلمت لنعاسها الثقيل ... فجأة ضرب جرس الساعة المنبه بجوارها بشدة لدرجة أفزعتها ... بغضب وخوف ألقت به بعيداً عنها ... ليرتطم بحائط حجرتها وتتحطم أجزائه ، صمت كل شيء بعد أن تحطم ... كل شيء ... سكون رهيب يعم المكان ... عادت تحاول النوم ثانية .. استجمعت ما تلاشى من أحلامها المظلمة ضاع كل شيء .
انسحب منها بساط السعادة من أسفل قدميها بكل حرقة ..
وألم كبير وهي تصرخ قائلة :
لا ... لا يمكن ... لن أصبر على هذا الحال ...

نهضت وأغلقت نافذتها وأطبقت الستارة فأظلم المكان ، استلقت على السرير تحاول استعادة ما تبقى من جيوش النوم ..
تشعر بحرارة في عينيها .. أخذت تفركها بشدة .. ، جن جنونها .... ألقت مصباح السرير ليتحطم على الأرض وينتشر شظايا زجاجة في كل مكان صرخت ... ضربت ... كسرت .. حطمت ...فعلت كل ما بوسعها ...
ما زال التوتر يرهقها ...ارتجف جسدها تلقائياً ... خرجت من حجرتها ، دلفت إلى المطبخ ، فتحت الثلاجة أخرجت كوباً من الماء البارد ، سكبته فوق رأسها .. شقت بقوة ... اضطربت ، سرت في أطرافها برودة عجيبة .... هدأ الصداع في رأسها قليلاً .. خرجت محبطة النفس ألقت بجسدها على الأريكة وهي تبكي ...

رن الهاتف برنين صمت وقهر ...

رفعت سماعة الهاتف .. أتى لها صوت أنثوي يقول :
سيدة لطيفة ...
نعم ... أنا ..هي ... من المتكلم .؟؟
أنا الطبيبة وفاء .. أنا من أجرى لك الفحوصات .. ألا تذكرين ..؟؟
نعم كان هذا من يومين ..
أجل ...لقد تبين لي أنك حامل في الشهر الرابع .. ولقد استدعيت زوجك بخصوص هذا الأمر منذ قليل لأعداد برنامج صحي خلال فترة حملك ... حتى وقت الولادة ... لذا نرجو منك الحضور في الساعة العاشرة صباحاً .. أهذا يناسبك ....؟؟

لم تجبها بقت في حالة ذهول شديدة .... سمعت من الهاتف .... سيدة لطيفة ... سيدة لطيفة .. أين أنت ...
أما زلت على الخط .. ألو ... ألو ...

ألقت بسماعة الهاتف أرضاً بعد أن ذهبت في سبات نوم عميق ولا زال دموعها تشد آثار الصدمة على محياها ...

" ...... تمت ..."





أنا حامل ( من كتاب عاشق من لون أخر)

on السبت، 6 يونيو 2009



حظ أم نصيب هذا الذي حصل لها ؟ .... حسد أم غيرة هي واقعة فيه ؟ .... قضاء أم قدر قد كنت لها هي دون غيرها قد وقع بها ؟
تسأولات عديدة وافتراضات كثيرة ، احتمالات ضئيلة .... ونتائج نهائية ... كل هذا كان يدور في خلدها وتفكيرها ... يأس قاتل وفشل كبير ... هموم وأحزان .... لقد مضى على زواجهما سنتين ولم تنجب له طفلاً
تشعر بألم بالغ حينما ترى غيرها من النساء الحوامل ... أو يحملن أطفالهن بحب ورعاية مليئة بعاطفة الأمومة
تشعر بغصة قهر في حلقها ، عندما ترى زوجها يحتضن بحب أبناء أخيه الأكبر ،خصوصا من كان في عامة الأول ومن كان يستطيع القول بضع كلمات قصيرة ... تتألم بشدة حينما ترى أخواتها المتزوجات أنجبن وهي لم تنجب بعد ...
احترقت بشدة حينما تزوجت أخت زوجها الصغرى بعدهم بعام وها هي الآن بحضها طفل رضيع .... تلاحقها أصابع الاتهام ...
تطاولها أعين الشفقة والرحمة ، يشار إليها بالبنان
وضعها على كل لسان ، لم تعد تحتمل أكثر الوضع المخيف ،
خصوصا وإنها تسمع من بعدي بأن زوجها سيتزوج بأخرى كي تنجب له ..
سأمت ، ضجرت ، احترقت ... فشلت .. وفي النهاية الأمر كما هو عليه ...
لم يتغير شيء قط ... همست لها أحدى صديقاتها الحميمة بأن تجرب الذهاب إلى طبيب شعبي يداوي الناس بالكي
...والحرق ، والأعشاب والبخور والماء المقرؤء عليه .. نتائج فعالة ، احتمالات واسعة ... أمل كبير ، وحلم أكبر
تلك أنجبت توأم ، وأخرى أربعة وثانية أنجبت بعد سبع سنين .... وتلك بعدما طافت على جميع المشافي
حملت منذ الزيارة الأولى .... وأخرى طابت من عقم دائم .... وثالثة أسعدت قلب زوجها بثلاثة ذكور .. و... و..
صرخت بأعلى صورتها:
كفى ... كفى ... لا أريد سماع المزيد ... لا أريد أخذت تبكي وبحرقة كبيرة
تجر معها أذيال الخيبة والفشل دخلت إلى منزلها بهموم ومتاعب كبيرة
أثقلت كاهلها ، سارت نحو حجرتها بخطوات ثقيلة ...... استلقت على السرير واستغرقت في نوم متقطع
أحلام مزعجة ، وكوابيس قاتلة ، مشهد متكرر لزواج زوجها بامرأة أخرى ، تندم كثيراً ........تخاف بشكل كبير
مازال لديها أمل صغيرة في أن تنجح بهذا ، تتلقي اللوم والعتاب من صديقاتها ... كلما اتجهت إلى مكان يتهامسون سأمت .. تصبب جبينها عرقاً غزيراً .... نهضت وهي تصرخ بعمق كبير :
لا .. أرجوكم .. دعوني وشأني .. دعوني
أخذت تبكي بألم وقهر كبير .... عاد زوجها ، فتحت له الموضوع كاحتمال أخير وحلم بعيد، تردد كثيراً ، أطال في التفكير ، وافق لها أخيراً على أمل التخلص من كابوس مزعج يلاحقهما أينما ذهبا .... وبالفعل ركضت مع صديقتها إلى الطبيب الشعبي لتتحقق أحلامها على يديه
وينفجر عطائه بما سيفعلها ...... أمل يتراءى لها من خلف السراب
سعادة كبرى تتألق في أمالها الواسعة ........ المكان مخيف بشع للغاية ، أشكال غريبة
أصوات مرعبة ، يفوح من المكان رائحة نتنة
دخلت إليه ، رأته هو الشيخ أو طيب الأعشاب كما يسمونه اشد قذارة من المكان
كأنما هو ملك الموت بشكله المفزع بجواره قوارير و أواني ملأت بأعشاب متيبسة ، بعضها قد طحن كدقيق والأخر مازال في طريقه غليه .. طرق بدائية ومعدات حديدية في وسط جمر
يحيطه ضباب كثيف بألوان مخيفة ، لم تحتمل هذا المنظر المفزع فأغمي عليها من شدة الرعب ، وفي المساء أستيقضت بعدما أحسست ببضع قطرات ماء باردة تنثر على وجهها ..
أخذت صديقتها تحادثها بخوف وأمل كبير :
نوير ... هل أنت بخير الآن ..؟
أه ... ماذا حصل .. أين أنا الآن ...!
أنت الآن في منزلي ، لقد خشيت عليك فجلبتك إلى هنا
لماذا ؟ ماذا حصل ؟ آه صحيح ، ماذا فعل الطبيب
ألم يقل شيئاً ...ألم يخبرك بأمر ما
مهلاً عليّ .. ما بك ... كل ما في الأمر أنه طلب منك إعادة الزيارة لمرة أخرى وتجلبين معك بعض النقود الورقية تقريباً ، ألف ريال ...
ما هذا ... أليس المبلغ كبير يا أسماء
لا بأس ، كل شيء سيهون عندما يتحقق حلمك الكبير وأملك الوحيد ، وترين طفلك أمامك
صمتت وتنهدت بعمق وهي تسترجع الذكريات وتقلب المواجع السالفة
فقررت المضي قدما والصبر ، فما بقي على تحقيقه إلا القليل
هكذا توالت الزيارات واحدة تلوى الأخرى
نقود كثيرة ، من اجل مواد غريبة لأعشاب مختلفة الأشكال بحرارة طعمها اللاذع ، كانت تداوم عليها لفترة قصيرة ، حتى آتى يوماً دخلت فيه حجرتها بألم في قدميها
كانت كمن وضع فيها كتلاً ثقيلة من الحديد ، تمشي بصعوبة ، تتعثر في خطواتها بالإحباط ، منذ أسبوعين ولم تشعر بشيء ، الوضع كما هو عليه ... لم تظهر بوارد ما ، تعلم أنه يحتاج منها وقتا طويلاً لتحقق هذا الحلم
مع أنها تلتزم بمواعيد الدواء .. تعلم بأن كل ما فعلته قد ضاع سدى
لم تظهر نتيجة مطمئنة إلى الآن،
بدأت مخاوفها تزداد قليلا وسؤال كبير تطرحه في نفسها " ماذا لو لم أنجب "
تنفست بصعوبة ، عندما أحسست بكلمة عقيم ، كحبل متين يخنق فؤادها وكسهم يغرس في قلبها ، تتمزق ألماً وحسرة .... كلمة ستحول حياتها إلى جحيم لا يطاق
تردد برعب هائل : أ أنا عقيم ..عقيم
يزداد الألم حتى يصل إلى صدرها ، عندئذ تشعر بصعوبة حقيقية في التنفس وهي ترى هذه الكلمة تتردد كصدى في نفسها ، انتابها يأس شديد وحالة بؤس كبيرة .. فقدت صوابها عندما أدركت بأن كل شيء قد انتهى
كل شيء ... حتى الأمل المتبقي ضاع ... صرخت بحدة وبطريقة لا إرادية ، أخذت تضرب على بطنها بقوة وهي تردد بأعلى صوتها وتبكي وتلطم :
لماذا ..لماذا ؟.!
سبب واحد تجهله تماما .. هو " لماذا لم تنجب بعد "
لماذا لم تنجب كبقية أخواتها ... كبقية اخوة زوجها
كمثل نساء العائلة ، كمثل أي امرأة في الدنيا ؟
صرخت بألم بالغ حينما تمكن بها
شعور بدوار وضعف يسري ببطء إلى جسدها
بدأ نبض قلبها يضعف شيئاً فشيئاً
خارت قواها لتسقط مغشية عليها بلا حراك .... بلا همس .. بلا أنين .. صممت مطبق
لا حياة فيه ولا أثر ... ثوان معدودة حتى دخل زوجها... روع من المنظر ، فزع بشدة ، تحسسها ، نبضها ضعيف يكشف عن وجود أمل في بقائها على قيد الحياة .. أسرع بنجدتها
أدخلها إلى قسم الطوارئ .. لم تكد تقع عيني الطبيب بها حتى ذعر بخوف ، فأدخلها إلى غرفة العمليات بعدما أجرى الأشعة والفحوصات بصورة عاجلة
أجرى لها عملية لغسيل المعدة وعملية أخرى بعد أن انتابها نزيف حاد أسفل الرحم
طال مكوث الطبيب لديها ، ليضل هو في حالة مضطربة ... أخذ الخوف يدب في قلبه وسيطر الارتباك عليه ... دارت الاحتمالات في عقله ... ليزداد بذلك توتراً شديد ... فجأة خرج إليه الطبيب في حالة عصبية قائلاً .. :
هل أنت زوجها أيها الرجل ..؟؟
نعم أيها الطبيب .. هل هي بخير الآن ..؟؟
لا اعلم أين كنت عنها طوال وقت سقوطها ... ولكن للأسف فقد فقدنا الطفل ..، أما الأم فهي بحالة حرجة .. وأدعو الله أن يعوضها بخير منه .. ذهب عنه .. بينما ظل هو في حالة من الصدمة والدهشة الكبرى ... لم يستوعب شيئاً مما قاله سوى فقد الطفل ( طفل ) ردد بهذا كثيراً .. حتى قال في نفسه :
أيعني أنها كانت حامل .. حامل ... لا غير معقول ... لقد قال لنا الطبيب من قبل بأنها حالة عقم شديد ... ، ولن تنجب إلا بعد مرور وقت طويل ، ولقد سألته ذات يوم حتى قال لي يبدو إن علاجها يتطلب فترة أكثر من خمس سنوات ... وكيف تفقد طفلاً ... طفل ... هذا ما قاله الطبيب منذ قليل ... تصادمت الأحداث في رأسه .. وتصارعت الأقوال في ذهنه ..
لتخلط الأحوال أمامه بطريقة متناقضة .. مضى نصف الوقت تماماً .. ، ذهب إلى غرفة الطبيب الخاص ... طرق الباب مستأذناً بالدخول :
أذن له قائلا: تفضل بالدخول ... تقدم إليه بضعت خطوات أمامه قم قال له بنوع من التوتر والشك به ...
لو سمحت لي أيها الطبيب ... أ أنت متأكد مما قلته قبل قليل ..
أقصد ... ، بأنها فقدت طفلاً ..
نظر إليه الطبيب بعض الوقت وهو صامت ثم قال :
يبدو انك لم تكن تعلم بأنها حامل منذ ثلاثة أشهر .....
وكلنها عقيم فكيف ستحمل طفلاً في أحشائها ... ؟
تعجب الطبيب ثم قال :
عقيم ... ومن قال لك ذلك ..؟
الطبيب .. الطبيب قال لنا هذا ..؟؟
أجاب مذهولاً مما قاله ..
طبيب ...، أي طبيب هذا ، يشخص لها خطأ ...، فقد عرض حياتها للخطر ، أضاف إلى هذا بأننا وجدنا في بطنها أشياء تضر بصحتها وصحة جنينها ، يبدو أنها كانت تستخدم أعشاب غريبة ..
أو أدوية قديمة .. لقد كادت إن تصاب بحالة تسمم خطيرة .. لولا رحمة الله وعنايته لكانت قد ماتت ... ، هذا شيء مؤكد ..وإن نجت لكان استأصال رحمها أولاً قبل كل شيء ولكن الله تولاها برحمته وعظمته ..
وكيف هي الآن ... أعني أ مازالت في حالة حرجة .. اقصد أهي بخير
قالها والخوف والارتباك واضحاً عليه ... حتى قال له :
أنها الآن في صحة أفضل من ذي قبل وهي الآن في العناية المركزة لعدة أيام حتى تتماثل للشفاء التام .....
شكره على جهوده المبذولة وإحاطته بأحوال مرضاه..
ذهب إليها ، كانت نائمة ، خراطيم وأنابيب دقيقة تنتشر في جسدها ، جلس بجوارها بعدما سحب مقعداً كان بقربها ، أغرورقت عيناه بالدموع حين تذكر فقدان الطفل ، وكلمة عقيم هذه التي حولت حياتهما إلى شيء لا يطاق ، تخلل بأنامله خصلات شعرها الحريري ، تأمل ملامحها بدت في حالة تثير الشفقة ...
هتف بحب وحنان وهو يتطلع عليها :
مسكينة أنت يا نوير .... تعبتي كثيراً من أجلي .. حاولت إسعادي ، مع أن الدواء كان كالعلقم بالنسبة لك ، مع ذلك تحملت وصبرت ..لم تكوني تعلمي بأنك حامل .. يا للأسف ..
فقدنا طفل كان في طريقه إلينا ..
وقف عند باب الحجرة ، ضرب بقبضة يده الباب بقوة نزفت يده بالدماء .. ، هبت الممرضة عندما رأت ذلك بالقيام بإجراءات الإسعاف الأولية له
تعذب كثيراً كلما تذكر ما حصل ، صرخ بشدة وألم :
يا لي من أحمق كبير ، كان يجب أن أرفض طلبها هذا أن لا أرضخ لتوسلاتها الكثيرة وبكائها الدائم ..
ما كان علي أن أستجيب لطلبها ، أسخيف أنا ، كنت خائفاً من هذا ، أنهت الممرضة واجبها ... كما انتهى من قوله
ذهب إلي المنزل ، ألقى جميع الأعشاب والأدوية في القمامة بعد ما شعر انم ابذله من مال قد ضاع سدى ... شعر بالندم الكبير ، مضت أيام قليلة حتى استردت عافيتها قليلاً نهضت لتتلقى الخبر كأكبر صدمة في حياتها .. رددت بصوت واهن " أنا حامل " .. حينها كبت بعمق ... بعمق كبير ، مضت أسابيع ثقيلة عليها ، يأس وكآبة قاتلة ، خيبة ، وقهر شديد كلما تذكرت الموقف بين فترة وأخرى
توالت الأيام والشهور .. لتداهمها أعراض الحمل بقوة ، ولما ذهبت إلى المستشفى تبين خبر حملها ، كانت فرحة كبيرة لهما ، لا يمكن أن توصف أبداً لتعود طيور السعادة ترفرف شيئاً فشيئاً ... بدأ بطنها بالانتفاخ حتى حان موعد ولادتها ... لتنجب طفلة جميلة أدخلت الفرحة والسعادة في قلب والديها وفي قلوب العائلة جميعاً ...


" ........ تمت ....... "

أنفاس متعلقة




انشغلت بالكتابة طوال الليل ... تحاول إن تنظم ولو بضع أبيات في مدحه ووصفه ..


بوزن يناسب تقاسيمه وقافيته التي تلأم معالمه البدوية الصعبة ... يجسد التفعيلات هيئته الرجولية الكاملة... ويصور عروضه منابع كرمه وشهامته الأصيلة ...على أضرب متنوعة لمواقفه بالتضحية والوفاء ...... لقد أحتل هو ... تفكيرها وسرى في نبض قلبها ...


وامتلأ شعورها ببحور أبياتها ... ليُخط داخل إحساسها بشعور ذهبي صافٍ...... و ببصمة واضحة على محياها ...


كان متمثلا في عينيها في صورة كبيرة كان باقيا في عقلها .... يغمرُ مشاعرها شوقاً ودافئاً ... وفي فوأدها حبا وهياماً .. في داخل روحها بأعمق نقطة جنوناً ... فقد كان سابحاً فيه بلا حدود أو حصار يحيطه .. يمتد ويعلو كالدخان الهائل وسط الموج الهائج ...


وفي لحظة يبقى بأقصى الركن الأخر منه ساكناً قابعاُ بوحدته مستسلماً متلذذاً في مده وجزره ... كمنظر الشاطئ الهادي الذي يداعب تلك النسمة الرقيقة به .. في انسجام تام وبصوت عذب ساحر وسط أضوء طفيفة لامعة تحت ماءه الصافية برماله البلورية البيضاء .. يتلألأ ويتراقص في بؤبؤه العين .. ومع أول اشراقة صباح يعكس على كل روح تهيم حبا بالحياة ..


وينبض الإحساس ويبعث في الروح الشعور بالارتياح بهدوء بلا صخب أو ضجيج وعندما يحلو الليل بسحر منظره البديعي على كل نفس عاشق ..... ويطيب فيه النفس الملتاعة بالأشواق ... فيميل البحر بلونه الغامق وقد استقر وجه القمر فيه .... .. ليعكس ضوءه على صفحة البحر بلونه الفضي ... صورة طبق الأصل ..حتى أنها لتخدع على كل عين تراه بأنه الكامل بالاستدارة مطابق لوضعه.....


كان كل هذا في داخل عقلها الباطن يصور لها روعة الحياة بلحنها الخالد.... ولذلك لم تتنبه إلى صوت أمها المتعبة قائلة ...:


هيلة ... هيلة ...أهـ .. نعم أمي ... ( قالتها هذا وهي تطبق دفترها وتخبأه عن عين والدتها بعد إن رأتها قد أوشكت على السقوط )


أذهبي واطلبي أباك حالاً ... فالألم لا يطاق ... ولا طاقة لي بالصبر أكثر أسرعي ...


أتلدين هذه الليلة يا أمي ..ربما .. أسرعي بطلب أباك ..!!


حسناً ....الآن سأذهب ..وبالفعل كانت الأم تزداد صراخاً وتوجعاً بينما زاد اضطرابها وقلقها بها ..


حادثت أباها سريعاً ... أتى على أثرها سريعا ونقلها إلى المستشفى بينما بقيت هي وأخيها الصغير فيصل في المنزل والرعب يملأ كيانه .. فزع لحالة أمه .. خائفاً بما سيحصل لاحقاً .. بينما هي لم تستطع التحمل أكثر والمخاوف تحذف لها من كل صوب... فلم تستطع أن تتحمل فهتفت عمتها لتأتي هي وزوجها إلى منزلهم فبقيت معهم ترجو السلامة لوالدتها لحظات سرت حتى هاتفهم والدهم ..... ليخبرهم بأنها قد أنجبت بنتا جميلة وهي في غاية النعومة والرقة ..


عم الفرح بهم والبهجة والسرور بدا طاغيا على وجه أخيها فيصل لقدوم المولودة ...ولكنها لم تستطع إن تراها الإ في اليوم التالي فأسرت قلبها سريعاً ليتوغل بها إحساس غريب نحوها فلامست أناملها الصغيرة يداها وتطلعت بعينيها ملامحها وتبسمت لها بسعادة ..


حينها بكت ورجت أباها إن يسميها لطيفة ... وتعاهدت لأماها بأن توليها عناية خاصة ...وأخذت بالرجاء لتحملها بين ذراعيها حتى سمحت لها بحملها .. احتضنتها بين ذراعيها ولأول مرة تشعر أنها ملأت فراغها بعبق أحساس الأمومة ظلت تتأمل بها طويلاً ...


تشعر بالضعف تجاهها ...وبقلة الحيلة لمقاومة احتضانها ... وتقبيلها ....ولشدة صغر حجمها ... ونعومتها ..


أخذت تقبلها كثيراً كلما حركت ساكناً .. وكلما مدت بصرها إلى الأعلى ... أو مدت ساقيها الصغيرتان إلى كفتها ...


احتضنتها طويلاً وهي تتأمل بعينها الجميلتين ... لا تعلم لماذا أحبتها بهذا القدر ولم تعلم هذه المشاعر نحوها .. حتى بعد إن انقضى سبعة الأيام الأولى ... حاولت أمها النهوض من سريرها ...


لتخرج خارج الحجرة وبقيت هي مع أختها لطيفة تداعب أناملها بحب كبير .......


حينما علا بالخارج صراخا ووقعا مدويا ... خرجت سريعا بعد إن أنتابها خوف كبير ...


ولكنها رأت أمها قد سقطت متألمة على أحدى الممرات الضيقة بعد أن ببل الأرض دماءها بالماء . ....


وأخذتُ أمها على الفور إلى غرفة الجراحة العاجلة ...


بقيت فيه أربع ساعات حتى خرجت الطبيبة وهي تقول ...:


للأسف حاولنا أصلاح كسر الحوض ولكنه يبدو أنه تهشم بالكامل ... لذا فهي الآن في رعاية الخالق وليس بيدنا أكثر مما قمنا به ...


يومها بكت حتى اختفى صوتها ... وأصفر وجهها حزنا وألما وهي تنظر إلى والدتها التي افترشت على سريرها الأبيض غائبة عن الوعي ... حتى في اليوم العاشر...


خرجت الطبيبة من حجرتها وهي تقول :


آسفة ... لم يكن لديه الكثير لتبقى .. فقد فارقت الحياة منذ قليل ...


تفأجات يومها بوفاة والدتها وخصوصا لما تفوهت به الطبيبة كان أشد ألم بها ...


ذهبت إلى سريرها أخذت تقترب منها أكثر وأكثر ... حتى رفعت عنها الوشاح الأبيض لترى بيضاءهـا ميلت إلى اللون الزرقة ...


كأنما هي مريضة ... .. لا تعلم لماذا اكتسى لون إطرافها بالزرقة ...


مدت يداها لتحضن كفها وهي تبكي بأعلى صوتها ... بكت طويلاً ... رثت لحالتها كثيراً ...


كانت تنام بإبرة المهدآت ... وتفيق من إغماء إلى سهاد ... تغيرت حالتها وتبدلت كثيراً ...


فأحتضنها أختها لطيفة وهي تنظر إليها بابتسامة عذبة ...وبرأة طفولة تنظر إليها ..


ولو كانت تعلم ماذا حصل وحل بهم لما ضحكت ولما ناغت بأصوات جذابة .. بل ربما بكت .... من أعماقها ...


احتضنتها بقوة وسال دموعها بغزارة وهي تترجاها أن تسمح لها ... أن تحس لها ...


ولكنها كانت تلهو مع نفسها غير مبالية لما يجري حولها ... صرخت بقوة وأطلقت العنان لعينيها لتسيل من مقلتيها دموعها الدافئة ..


فجأة دخلت أمها وهي تحتضنها قائلة :


أبنتي هيلة ... هيلة ... ما بك ... أأنت بخير ..؟؟


توقفت برهة من الوقت قبل إن تجيب ... وهي تمد أناملها لتتحسس موضع كف أمها ... لتتحسس ولتتأكد من أنها بجوارها ... تحسست بطنها المنتفخ بشدة فنظرت لما بين ذراعيها لتجد وسادتها قد بللت بدموعها العزيزة ..


ظلت برهة من الوقت لم تتفوه بشيء وهي تحاول إن تستوعب ما حصل لها .. حتى همست لها قائلة :


أمي ألم يحن موعد ولادتك بعد... ؟؟


أهـ .. يا أبنتي ... مازال هناك أسبوعاً أخر ...هكذا أخبرتني الطبيبة ..


أمي .. عندما تلدين أرجوك خذيني معك إلى هناك .. أرجوك لا تدعيني ...


نظرت إليها بحان ثم قالت وهي تمسح دمعتيها :


حبيبتي ... لا تقلقي ... سأخذك معي ... أنت وأخيك فيصل ..ولكن أبي .. ( قاطعتها بخوف ) :


لا تخشي شيئاً .. فهذا وعد مني لكما ..


بكت حينها واحتضنتها أمها طويلا وهي تقول بود أكبر :


أنني انتظر هذا بفارغ الصبر ..
" ......... تمت ........ "