قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

بقايا كحُــل

on السبت، 23 مايو 2009






" أحبه بجنون "

تلك الجملة التي ألقيتها على مسمع والدتي ... لأنال منها الضرب المبرح بعد أن صفعتني بقوة وأخذت بشد شعري وهي توبخني بحرقة ... لقد كانت تبكي وهي تشتمني ... ليت عرفت قيمة هذا الإحساس المؤلم .. ليت أدركت هذا منذ البداية ..

حينها كنت ابكي وهي تذرف دموعها غضبا مني .... ابكي حبا وخوفا عليها ... وتبكي هي حرقة مما فعلت ... لم انسي كلماتها حينئذ .. " أنت حمقاء ..تافهة ...ما زلتي صغيرة على مثل هذه الأمور ... يا لك من فتاة قبيحة ... قذرة ... "
لم أذكر حينها سوى إنني قلت لها بصوت عالٍ... "
أنه سيأتي ليتزوجني ... وما فعلته هذا ليس عيباُ ... ..اذكر حينها تمنت أن تشق الأرض وتبلعني ... قبل انطق بهذا ... ولم أنسى يومها الضرب المبرح الذي سطر بظهري ألما وجرحاً ...لقد أفرغت كامل طاقتها بضربي ... وبأقسى ما يمكن ...
كانت تتمنى موتي على أن أقدم مثل هذا الفعل ....... فعلا ... لقد كنت غبية فأخذت ابكي وابكي ...

وأنا اردد لها :
" ما فعلته كان بدافع الحب ...أنا أحبه ...أحبه بجنون يا أمي ... تعرفت عليه ... ونحن اليوم نعشق أنفس بعضينا ... ولقد تعهدنا بالحب حتى الموت ... حتى الموت يا أمي ... "
وكانت تشتمني :
أيتها الحقيرة ... والمغفلة .... ما الذي فعلتي اخبرني أيتها المجنونة ..." وهي تضربني بالسوط .... أشعر لهيب حرارته وصفير صوته يحرق قلبي ....

صرخت بقوة :
أمي لقد وعدني بالزواج وسوف يأتي
مزقت يومها السوط في ظهري ... وانفجر أنفي بالدماء .. وأسفل شفتاي قد تورم بعد إن شكل لونه إلى الزرقة ... وأصبح جرحا خاثراُ يسيل منه الدم كلما تفوهت بكلمة .... لم يلتأم جرحي بعد ...
أشعر بأن شعري قد اقتلع من جذوره ولم يتبقى الإ الربع منه .. وكتفاي الذي طالما لم اشعر به وكأنما هو مخلوع من مكانه ... لم استطع التحرك ..فرجلاي لا تقوى على الحراك ... كأنما قد تخثر بالدماء ..واندمل حتى أصبح حمله عليّ ثقيلاً ....وعبأ علي ّ ....
كل هذا يهون بمجرد أن أتذكر صورة محيا حبيبي .... أحبه بجنون ... فولعي به شديد ... لدرجة الجنون ... بكيت وبللت وسادتي بدموعي الغزيرة ....

حتى في اليوم التالي أستيقضت على نحيب وصراخ الخادمة ...؟؟
هرعت إليها سريعا لأرى ماذا حل .....؟؟
حتى أنصدمت عندما أدركت وفاة أمي بنوبة قلبية توفيت على أثرها ليلة أمس .... أذكر حينها أنها كانت تصرخ وتضرب بشدة حتى بدأ تضعف أكثر وأكثر ... إلى أن سقطت فجاءه أمامي ....
اقتربت منها وأنا اطلب منها أن تسامحني .. لقد بكيت حينها فعلا خوفا ً من فقدانها ... إلى الأبد ... كنت أريدها ...... أن تسامحني بعد أن غصب علي .. ولكن بعد ماذا ... أبعد فوات الأوان ...
مضت أيام عصيبة عليّ ... وكأنما تشير إليّ بتهمة قتلها ... ولما لا ... وأنا التي قتلها بكلماتي المجنونة ... لقد قتلتها بسهام حبي ...
لقد قتلها بفعلتي الشنعاء ...

وكنت أظن أن هذا ليس عيباً الآن أدركت ...؟؟؟
ويا ليتني لم أحيا لأرى هذه اللحظة الباقية على لحظات أيامي القادمة ... ليتني مت قبل أن تحسر وأموت باليوم مليون مرة .... أحساس مؤلماً حقاً ... بالذنب ... كنت أظن أنني سأفرحها سأحقق مبتغاها ... ومناها... كانت دائماً ما تدعو لي بعد كل صلاة ... أن يرزقني الله بابن الحلال ...كي تسعد بيوم فرحي وزفافي ...
كان ذلك حلمها ... الطاهر النفي المليء بالعفة والصوان ...
كنت يومها أحلم كما تحلم هي به .. ولكن بفارق بسيط ..أنني تسرعت وسرت بطريق الحرام ... نعم ...فبعد لقاء وموعد تعددت المكالمات واللقاءات ...

كان في كل مرة يهدي إليّ عطر أو وردة ... أو رسالة ..غرام معطرة .. أو يفاجئني بهدية صغيرة بها عبارة " احبك " يحملها دبدوب ابيض صغير .. وحوله نثر الورد الأحمر .. حتى جن جنوني .. حينما أهدي لي خاتماً ... ذهبياً اللون ... بعد انأ لتقينا في المطعم الايطالي ...
ألبسني الخاتم ... وهمس لي قائلا ً :
لا توجد قوة في الوجود ستبعدني عنك ...ّ!!

حينها لم أدرك ما الذي فعلته ...سوى أن أخذت بمعانقته طويلاً .... أحساس يتناغم مع خفقات قلبي الضعيف .. وهكذا حتى يوماً أهدى لي صورته إنه وسيم ... وشاب طموح إلا أنه عاطل عن العمل ... لقد وعدني بالزواج ... أن حصل علي وظيفة ... ولم ييأس حاول وحاول ولكنه فشل ومازال صامداً ... كنت أشجعه واخفف عنه آلامه ... كنت أحبه بجنون ... لقد كان أملي الوحيد ... وحياتي القادمة مرتبطة عليه .. وعلى مستقبله فانا وحيدة لأمي وأبي عشت طفولتي مع والدتي الحبيبة ....
لم أرى أبي في حياتي قط ... ولم أسمع عنه أبدا... فكلما سألت عنه أجابتني أمي بأنه مسافر ولا تعلم متى سيعود ...
حينها يتردد الأوساط من حولي بأنه سجين .. ولكن أين لا اعلم ... ربما في السجون العسكرية ... أم الدولية ... أم المحلية ... لا اعلم أين هو ...؟؟

وفي أي أرض هو عليه .... أهو على قيد الحياة أم لا ... لا اعلم ... فلا إجابات شافية لتسأولاتي المتعددة ... صمت طويلاً ...ونسيت أمره ... فلم يبقى له من الوجود شيئاً ... لا تذكره ... وكان لا أب لي ... سوى أمي ... عاشت من اجلي وكانت تخشى عليّ كثيراً .. لأنني كنت متمردة على حالنا... ووضعنا المأساوي ... فقر على فقر ...
كانت تتمنى أن تتزوج من احد أقربائي من أبناء خالتي ... ولكن لم يتقدم أحد إليّ ... ربما يعود السبب بأبي وربما يتعلق بسمعته بشكل اخص ...لم أبه إلى هذا ... كنت واثقة أنني سأعيش حياتي في سعادة ... بعد وفاة أمي أخذت خالتي في مواساتي ...

وبعد مضي شهرا انتقلت إلى منزل خالتي ... بقيت فيه لفترة انقطعت علاقتي به خصوصا َ بعد أن أحسست بعد أن ما حدث كان له صلة قوية لوفاة أمي ...ومع ذلك حملت حقيبتي كل الهدايا التي أعطتني إياها وخصوصاً صورته التي أخفيتها في دفتر الذكريات الخاصة بي ... ..؟؟

عشت في منزلهم لا حياة ولا إحساس .. كل شيء يدعو إلى الملل الروتيني كما هو .. وكأنني موظفة في شركة قوانينها صارمة .... مواعيد النوم والخروج والدخول ... مواعيد الطعام ..مواعيد التنزه .. ما هذا سأمت من حياتهم الروتينية التي لا تتغير مع نظام أبيهم الدكتاتوري ... نظام صارم محض .. لا مرونة فيه ... الكل يسير على النظام كآلة الكهربائية ...تعمل وفق ما حدد لهما ...

عدت إلى حبيبي وتعددت اللقاءات بيننا ...لم يكن بالأمر الهين اكتشاف أمرنا .. فوالدتي قد اكتشفت أمري حينما رأت صورته في حجرتي أسفل المنزل فجأتني بصورته وقد احتقن الدماء في وجهها .....آه ...بدأت أخاف أن أكتشف أمري ثانية ترى ما الذي سيحدث لي ..... ؟؟
كنت ألتقي به .. وأنا ذاهبة إلى المدرسة حيث خلف سور المدرسة باب حديدي متهدم اختبأ به لحين وصوله إليّ ...
فأذهب معه حينما أردنا . كانا قد ذهبنا إلى المطعم أو الحديقة العامة ... وفي محل المواد الغذائية ....المهم في مكان عام حتى لا نثير شكوك أحد ما .... ولم يتغير شيء حتى بعد انتقالي إلى منزل خالتي مضت بعض أسابيع وأنا على هذا الحال ...
حتى فجأتني خالتي بسؤال ذات يوم عمن قد أهدى إليّ تلك الهدية الجذابة فأجبتها على الفور أنها من صديقاتي في المدرسة ....
مضت أيام حتى عثرت على رسالة غرامية فسألتني حينها لمن تكون ...؟؟

لم استطع أن اكذب عليها لقد خط وصيغ على أسلوب الذكر يخاطب أنثى ... فصمت برهة قبل أن تدمع عيناي ... لا أعلم لماذا عادت إليّ صورة أمي الغالية ... فلم أزد أن قلت لها :
أتت إليّ عن طريق الخطأ ....؟؟
تطلعت إليّ بنظرات استفهامية ولكنها لم تتوصل إلى شيء ذي بال .. فقد أخفيت ما يخفق به قلبي وما تفضحه عيناي من عشق وحب عذري ... فلم تزد أن قالت : حسناً حينما تحتاجين إليّ أخبرني ....؟؟
كأنها تعلم ولكنها لا تشأ أن تقولها لي ... كأنها ترغمني على القول من تلقاء نفسي .. أأقول لها أم لا .... أأنتظر حتى يحدث الله بعد ذلك أمر ... أم لا ... ماذا لو أخبرتها وكانت تنوي القول بأنها ترغب أن أكون زوجة لأحد أبنائها ... ..؟؟

ستكون كارثة حينها بل صدمة أن علم زوجها بهذا ياألهي ستقع كارثة حقيقية حينها ... مضيت أيام عشت في حيرة من أمري ... دائما ما أفكر وكثيراً ما يتلبس عليّ الأمر .... لذا أكتفي بالصمت وألوذ بإحدى زوايا الحجرة ..انظر إليهم كأنما أترقب انفجاراً هائلاً أمامي ....
كنت أسبح في حيرتي وشتات أمري حتى بعد إن ذهبوا إلى النوم بقيت لوحدي أنظر إلى لا شيء ... وأن كنت غارقة في أحلامي الوردية ومشاكلي المدرسية وحيرتي الغامضة في حياتي المستقبلية ...

تقدمت بضع خطوات إليّ فهمست ليّ قائلة :
إلا تريدين إن تخلدي للنوم ..؟؟
ها .... آه .. صحيح ... حسناً ..
ما بك عزيزتي ....
لا ... لا شيء...
أحقا... ولكنني أجدك غير ذلك ... أهناك شيء تودين القول فيه ...؟؟
ما الذي تقصدينه يا خالتي ...؟؟
يا أبنتي أنني أقرأ في عيناك الكثير والكثير ..
خالتي ... أنني ..
لا عليك .. حينما ترغبين بذلك فسأكون في انتظارك وبقربك دائماً ..!!

نهضت سريعاً إلى حجرتي وكأنني أخفي من أنفاسي المتلاحقة سرّ حياتي .. أتراها تعلم ما حصل لي ...؟؟
أم أنها رأت صورته وسط حقيبتي أم اكتشفت هوية صاحب الرسالة الغرامية ...؟؟
ما الذي تعرفه عني ّ... ؟؟
عجيب أنها تختلف عن زوجها كثيراً ... أنها تسير على نمط الديمقراطية .... هناك أخذ وعطاء في حديثها ... ذلك مؤشراً جيداً .. ربما ذلك الحل والطريق الوحيد الذي طالما بحثه عنه طويلاً ...
سأخبرها علّها تفيدني بشيء من ذلك ..حتماً ... نعم سأخبرها غداً ... وهذا أفضل شيء أقوم به ...؟؟
وفي اليوم التالي ... لم اذهب إلى المدرسة ... تظاهرت بالمرض ... وبقيت في المنزل .. أنها لا تعلم بعد أن كنت قد ذهبت أم لا ... أخذت أراقبها عن كثب ... لعلّـها تدلف إلى حجرتي لحل باقي الألغاز .. هذا مؤكد ... ولكن هذا لم يحدث قط نزلت إلى الطابق السفلي ..
اسمع صوت نحيبها ...وبكائها .. تأملتها دون أن تراني أنها تحتضن شيء في صدرها اقتربت أكثر ..لم تتنبه إلى وجدي ...وإذا بصورة تحملها بيديها وكأنما تخشى أن يضيع منها ..اقتربت أكثر ... ياألهي ..

أنها صورة لأمي ...!!
لماذا ... ...؟؟ ما سرّ ذلك ...؟؟ همست لي بصوتها الواهن ...
تعالي يا أبنتي ...
ولكن خالتي ..!!!
أعلم أنك هنــا منذ فترة .. لا تخافي لا أحد هنـُا...
اقتربت منها أكثر ... تأملتني ثم قالت ...:
لقد كانت أمك امرأة عظيمة ...
حينها لا أعلم لماذا سرت دمعة حارقة من كلا عينيها ... فاحتضنتني بشغف وحب كبير ... بقيت هكذا .. لفترة وأنا أنعم بحضنها الدافئ ..
حتى استجمعت قواي وهمست لها و بي نوعاً من التردد يقطع أنفاسي المتلاحقة ...:
خالتي ...
نعم يا ابنتي ...!!
سأخبرك بشيء هام وقد احترت به طويلاً في مجمل حياتي الماضية ..
وما هو ..؟؟
أتعلمين من هو صاحب تلك الرسالة ..؟؟
أهو قريباً لك ...؟؟
لا .. لقد تعرفت عليه بمحض الصدفة ونشأت بيننا علاقة حب وتحول إلى عشق مجنون ...
إذن هذا كل ما في الأمر ...؟؟؟
أرجوك يا خالتي لا تسيء الفهم بي .... أرجوك ...
أنني أفهمك جيداً يا غاليتي ....
لقد تعرفت عليه بعد فترة من لقاءاتنا والتي كانت بمحض الصدفة بالبداية ومن ثم نشأة مواعيد للقاء بيننا وكنا نلتقي بين كل فترة وفترة نشتاق لرؤية بعضينا ...
خصوصا بعد ما أحببنا بعضنا البعض وتبادلنا الإعجاب والحب معاً ...وتجرعنا كأس الشوق والهيام سوياً ..
هل يحبك هو فعلا .....؟
لقد وعدني بالزواج يا خالتي ...
ولكن هذا لا يكفي يا عزيزتي ... افهمي ما سأقوله لك .. أنت ما زلتي صغيرة لمعرفة أمورك كهذا ... فما زلتي بالخامسة عشر من عمرك ..فأنت في سن الزهور لم تفتح بعد ...

من المؤكد أنه يكبر عنك بسنين أهذا صحيح ..؟؟
لقد تخرج من الثانوية العامة ولم يعثر على عملاً بعد ..؟؟
أذن كيف تسمحين له بفعل هذا ..؟؟ أخشى أن يستغلك محبتك له غاليتي ... ويتلاعب بعواطفك ... فلو كان يحبك لما فعل ما فعله الآن ... ولما التقى بك ولاكتفى بالتعرف عليك من بعد ومن ثم التقدم لخطبتك رسمياً .. من والديك ...!!
هذا ما كان يريده ولكن لا أب لدي ...فكيف سيأتي إليّ خاطباً
لم تنطق حينها وبقيت لبرهة من الوقت تنظر إليّ وكأنها تبحر إلى أعماقي لتكشف عن مكنوناتي المختبئة به ...
فهمست بود أكبر حينها ... :
أسمعيني يا ابنتي ...أن كان فعلا يريدك ... فيتقدم إلى خالك خاطباً ...

أتقصدين زوجك .. ياألهي ... سيفسد أمري ...
لا ...لا تخافي ... سأكون بقربك ... ولن أخذلك .. أبدا .. فقط ... أفعلي ما أقوله لك ...
وبالفعل أسمعت إلى رأيها ونفذت أمرها ... بالحرف الواحد ... وطلبت منه التقدم إلى زوج خالتي خاطباً ولم يخب ظني به ... وبالفعل تقدم إليّ ولم يعطه زوج خالتي رده الأخير ... بينما امتنعت أنا عن الحديث أو حتى اللقاء به ...
وفي تلك الليلة ..أردك فضاعة الأمر التي استجدت في حياتي فبمحض الصدفة كنت أريد معرفة ما دار بينهما أأجابه بالقبول أم بالرفض ... وما سيكون مصيري أنا ...
ومن حسن حظي إن والدته تعرف خالتي معرفة تامة .. فا الأمور بدت تتشكل لصالحي ..
حينها سمعت ما دار بين خالتي وزوجها بعد أن علا صوتهما قليلاً :
قلت لك أنه فتى فاشل ولا يصلح لها ..
ولكنني أدرك بمصلحة أبنتي ...

إلا ترين أنه عاطل عن العمل ...فكيف سيصرف عليها ويطعهما ...
أعلم ولكن هذا لا يمنع من ارتباطهما ..
إلا تعلمين عواقب ما سيحدث حينها
لا شأن لك بذلك ابنتي وأعرف مصلحتها جيداً
ولكن هذا سيؤدي إلى الفشل وطلاقهما سريعاً
لا تخشى عليها ..
أنت أمها وهي ابنتك ...فلا شأن لي بكما ..
توقفت برهة أفانتي شيئا مما يجري... أسمعت شيئا مغالطاً ...
أم من ..... وأبنت من ........!!!
اختلط الأمر علي و ألتبس الوضع بي في بادئ الأمر فلا أدرك من هي الابنة بعد فخالتي لم تنجب سوى الأولاد فقط ... فأي بنت يتحدثان عنه ....؟؟

حينها أرهفت سمعي بعد إن خفضا صوتهما قليلاً :
لقد ظلمتها كثيرا منذ صغرها .. فحرمتها من الحنان والأمومة ... وعاشت عند أختي العقيم ... التي لم تنجب من الأبناء.. ...
خصوصا بعد أن عاشت في شبح الوحدة بعد أن توفي زوجها .. حينها كنت حاملاً بها .. .... لقد عشت في تعاسة ... ومرارة كنت أكره أبيها ... لقد كان أنسانا فاشلاً ... عديم المسؤولية ... فانخرط مع زمرة من الشباب ... الذين اودوُ به إلى السجن ... لقد وقع بتهمة ترويج المخدرات ... فخشيت على سمعة ابنتي فأودعتها عند أختي بعد ولادتها وطلقت منه ومضت السنين حتى كبرت ... حتى تزوجتك ... ولم أنجب من البنات سواها ... أكان الله يعاقبني على فعلتي وحرماني من البنات بعدها ..
.فكيف بي أن اجعلها تعيش في تعاسة بعد ما تخليت أنا عنها ..
ولكنها كانت في أيدي أمينة ..

نعم رحمك الله يــا أختاه ... فقد كانت نعم الأخت هي ....
مسكينة لم تحظى يوماً بابن أو ابنه لها ...
ربما كان وجودها مع أختي أفضل من أن تبقى معي
لقد كان ذلك قرارك ..
أعلم هذا ... وارجوا أن أكون قد وفقت فيه ...!!
صدمت ....صعقت ...ما الذي اسمعه منهما ... أيعني هذا .... أنا ... ماذا ... ياألهي . ... أهي والدتي الحقيقية وأبنائها هم أخوتي .. وخالتي هي التي توفيت منذ فترة ... ما الذي يجري ...؟؟؟
لا..............لا .... اصدق ولماذا يحصل هذا معي ... ...؟؟؟
حينها لم أدرك ما حل بي إلا حينما رش بي ماءاً بارداً ... فصحوت .... لأنظر من هم حولي ... أنها خالتي ... بل أمي..... وهؤلاء أبناء خالتي ... بل هم أخوتي .... آه لقد تذكرت ... لقد أغمي عليّ ... ياألهي ..
ماذا حصل بي ... آ أعيش مع امرأة هي أمي ثم أكتشف أنها خالتي ... وأعيش مع خالتي ... لأكتشف أنها أمي ... الحقيقية .......... وأبي أين هو ... حينها دمعت عيناي قهراً ....فابتسمت خالتي برفق وهي تقول لي :
حمد لله على سلامتك .. لقد وافق خالك عليه .. وبذلك تكونين قد حققت كل أحلامك ...
ولكن أبي ...

اندهشت خالتي لبرهة من الوقت ثم قالت :
أباك ... لا بأس في هذا ..
أريده حاضراً ليوم زفافي ...
يا ابنتي هذا مستحيل
لا .... ليس مستحيلاً ..... وليس عيباً ... أن يعلم الناس بأمره ... ومهما يكن فهو والدي ...وأبي الغالي ..
لم يسأل عنك طول هذه الفترة ... فلما تريدينه أن يأتي ... لقد تخلى عنك بل نحن من تخلى عنه ...
ما الذي تقولينه ....... أتريدين الزواج منه بشدة وإصرار وحينما يتسنى لك وتزول كل العقبات أمامك تعيقينها بنفسك ...!!
أمي ... أرجوك ..

تفأجات .. حينها لمناداتي لها بــ " أمـــي .." بكت لسماع هذا ..فأخذتني إلى أحضانها ... وغسلنا بدموعنا مما آثر في أحزاننا ... وآلمنا ...سوياً شعرت بهذا .. وهي تهمس لي من بين أنفاسها الحارقة :
أيعني انك قد سمعتي ما دار حديثي في ليلة الأمس ....!!

أوُمت لها بالإيجاب ...فضمتني بشدة وهي تقول :
أرجوك أنتي ...أسمعيني ولو لمرة ... واحدة يا ابنتي . ...... ليس لدي سواك ... أرجوك.......... لا تفعلي هذا ... أفهميني ..
أرجوك يــا أمي .. أنها حياتي ..وأريد أن يشاركني بها والدي .. مادمت أنت أمي ..لقد حلمت بذلك اليوم منذ زمن بعيد ... أن تبقيا بقربي ..لحين موعد زفافي ...أرجوك ...
ولكن هذا مستحيل ... أباك مسجون ... وهو بالأصل رجل سيء ...وجوده قد يحطم حياتك المستقبلية ...
مهما يكن يا أمي ... ليس هذا عيباً لأخفيه عن الجميع ... فالحقيقة لا بد وأن تظهر ..
إلا هذه المرة ... لقد صبرنا طويلاً .. ولم يبقى إلا القليل ... أرجوك ... طاوعيني ...
إلا هذا يا أمي فلن أطاوعك مهما حصل ومهما يكن فهذا أبي .. أبي ..الذي طالما حلمت يوماً إن التقي به ... وسألتقي به قريباً ..!!
قالت هذا وأنا واثقة من مشاعري تجاه أبي ... وتجاه زوجي المستقبل ...فقد كان كل همـّي إن أحقق الحلم الذي طالما بقي حبيساً في أروع أحلامي .... منذ الطفولة ... كنت انظر إلى الأفق حينما يضوي القمر وتأخذ النجوم في مجراها بلمعان وأنا أرى زوجي وأبي وجهين لعملة واحدة ... بين أصبعين في يدي .......

فذاك حلم كان مستحيل .. وهذا حباً كان بحكم المستحيل ... وسيتحقق أحدهما بوجود الأخر لو بمحض الصدفة ....!!!



" ......... تمت ........ "

أحلام ولكن ..

on الجمعة، 8 مايو 2009






تراقصت الأحرف والكلمات أمام عيني ..لم أصدق ما أراه في بادئ الأمر ... أكان حلماَ أم حقيقياَ .. اهو بذاته أم أحد غيره ..؟؟!
أعدت قراءة الرسالة الرقيقة لمرة العاشرة كانت صغيرة الحجم تزين أطرفها ورود رومانسية حالمة بينما يذيل أغصانها كلماته العذبة مع باقة ورد لطيفة نسقت بعناية فائقة ... وما كان من المرسل إلا أن وقع بخطه العريض ""أسير حبك "" ترى من يكون ..؟؟
ومن هو هذا ..؟؟ أهو زميل لي في القسم الذي أعمل به أم ماذا ..؟؟ أم تراه معجب بي وأنا اجهله تماماَ .. دارت هذه الأسئلة كثيراَ في مخيلتي ... اعتقدت في نهاية الأمر إنه مجرد صدفة أم خطأ غير مقصود ... إذا لأول مرة يهدى لي باقة ورد وفي طرفها علقت أروع كلمات الإعجاب والسرور .. يبدو للعيان بأنه شخص يعرفني تماماً كلما لو كنا أخوين أو حبيبين ..؟؟ تظاهرت أمام زميلاتي وبالأخص أمام " ميسون " والتي تعمل معي في نفس القسم ذاته بأنه من شخص مقرب لي ... قد أبعدتنا السنين عن بعضينا لذا حاول إن يذكرني به بمداعبة لطيفة منه .. وبطريقة غير اعتيادية ....رأيت ابتسامة باهته منها وأن كانت عيناها تلمعان بحدة .. كأنما تجبرني عن فصح باقي الأمر والاسترسال في الحديث عن بشكل أكبر ... لكنني خفضت عيناي عنها خجلاَ .. وما إن سقطت عيني في توقيعه بلونه المذهب حتى مزقت الورقة .. وأنا اردد بصوت مرتعد :
إنها مجرد مزحة ... مزحة سخيفة .. لا أساس لها ...!!
وما إن قلت هذا حتى حملت حقيبتي الجلدية وخرجت من عندها .. بينما اشعر في داخلي أنها مازالت تتبعني بنظراتها المتسائلة أينما كنت ... نزلت إليّ الطابق السفلي لأستقبل " العم درويش " وهو يحمل صينية القهوة التركية حتى قال لي بشيء من الفضول :
سلمى ... لقد أرسل لك باقة ورد جميلة ألم تتعرفي على صاحبها ..؟؟
ابتسمت في جفاء ..بينما طالت الرعشة في أنفاسي وأنا أقول له :
إنه صديق قديم أراد إن يهنئني بالمكتب الجديد ..
رد مبهوراَ وكأنه يحاول الاستيعاب لما تفوت به ...
مكتب جديد .. يهنئك بالمكتب الجديد ... أيّ مكتب هذا !!
وما إن انتهى من جملته حتى تجاوز الباب وما أن انتهى من جملته حتى تجاوز الباب الخارجي ..سرت نحو الشارع العام .... الجو هادئ بعض الشيء ...أصوات الطيور بدأت متحجرشة كأنما هي تحتضر أيضا ... وصوت مداعبة الرياح الرقيقة للأشجار العالية تصدر نغماَ غريبا َ يبعث في النفس أحساس مخيف ... توقفت لحظة في مكاني ... كان المكان مليء بالناس من مختلف أعمارهم والهدف واحد ... كل منهم ينتظر قدوم الحافلة الحمراء العتيقة ... طال انتظارنا بعض الوقت ... حتى علت في نهاية الطريق أبواق تلك الحافلة الممزوجة بخسف صفائح الحديد من جوانبها .. وما أن اقتربت حتى تهافتت النساء جرين بالركوب ...عليها قبل إن تصل ... وما إن توقفت حتى تجمهر عليها الناس من كل صوب ...تدافعت وسط تلك الجموع وما أن أصبحت في داخلها حتى رأيت المقاعد قد ضيقت بأكوام من الأجساد البشرية العثة فما من سوى الوقوف بإحدى جنابتها ...استمسكت بإحدى أسوارها الحديدة التي كانت معلقة في سقفها المتشقق .. ومضت بنا إلى شوارع ضيقة قد اصطفت حولها العمائر الشاهقة .. وما إن وصلت حتى هالني المنظر ... توقفت برهة لاستوعب ما أراه إذا به حقيقة ... أزهار وورد منسقة داخل أوعية نحاسية صغيرة اصطفت حول وعاء كبير ملئت به أندر وأجمل الإزهار في العالم .. اقتربت بعد إن طاولتني الرعشة بغتة .. فإذا بظرف غير مغري بعض الشيء لرؤيته .. ما به .. فتحته بأصابعي الوجلة حتى صعقت لما رأيت .. لقد كانت نفس الرسالة ونفس النص ..؟؟
وبنفس التوقيع .. هو بذاته ...؟؟ " أسير حبك "
ما الذي يحصل ..؟؟ كيف وصلت هذه الباقة إلى هُـنا في منزلي ... وفي مقر عملي ... ماذا يجري ...؟؟ تلاحقت المخاوف بي حتى شعرت بكياني بنوعاً من التشنج ... أدركت إن شخص ما يتبعني ... هذا ما قد توصلت إليه لكن ماذا ؟؟ كان هذا ما قد توصلت إليه لكن لماذا ..؟؟ لماذا ...؟؟ كان هذا السؤال الوحيد الذي لم أعثر له جوابا .. احترت بشدة ... لم أقرا ما به ... مزقت الورقة في عصبة نفاثة أسرعت بحمل الأوعية حتى ألقيتها أسفل البناية .. رأيتها تناثر سمادها وطينها قبل أن تدوس أزهارها سيارة كانت مارة بسرعة .. ليتهشم وعائها فيبقى صحيفة معدنية مشوهة ... دلفت حجرتي وأنا اشعر بالريبة .. أكان ما حصل اليوم تعد صُــدفة أم شيء معتمد ... ؟؟ أهو شخص أعرفه حق المعرفة أم هو مجهول ..؟؟ لماذا إذن يفعل هذا معي .. هكذا .... اهو يعلم عني دون أن أعلم عنه ..؟؟ ترى ما الذي يجري من حولي ...؟؟؟
لم استطع في تلك الليلة النوم بسلام فقد داهمتني كوابيس مزعجة وأحلام مخيفة فأصبت في ارق طويل حتى مع بزوغ الفجر ... لم استطع تمالك صوابي .. أو أرُيح أعصابي ... مضت الساعات سريعاً لأعود إلى عملي مجدداَ ... ما كان يهبني حقا هو أن أصادف لهذا اليوم باقة أخرى ... دلفت إلى مكتبي لم تكن صديقتي " ميسون " هناك ومازالت الباقة ممدودة في دلال على أوراقي حملتها سريعا لألقاها عبر النافذة .. و يالمفأجاة .. هاهي قد سقطت على رأس مديري .. أخذت ألطم نفسي وأعاتبها .. أيوبخني أم سيعاقبني في نهاية الدوام ... لقد بدت نهايتي وشيكة ....رجوت الله في نفسي إن تسير الأمور على خير ما يرام .. جلست في مكتبي انظم أوراقي المبعثرة هنا وهنــاك وأنا أسترق النظر خارج الباب انتظر إن يحدق المدير ضجة كبرى .. ولكنه دلف صامتا .. تعجبت لحظة ثم أرجعت الأمر انه لم يراني من النافذة لذا فهو لا يعلم .. بعد كل هذا الباقة أو لمن أهديت له ..
حاولت أن أبدو طبيعية خصوصاً وأن دلفت صديقتي " ميسون " وهي متعجبة مني فسألتني بدهشة ... لم تستطع إخفاءه من عينيها ..:
سلمى .. أراك مبكرة لهذا اليوم ... هل من أمر قد طرأ ..؟؟
ابتسمت لها بشفافية مطلقة .. وأنا أهتف بها بشي من ألامبالاة :
كلا ولكن لدي عمل هام هنا اضطررت في القدوم إليه مبكراَ لكي انتهي منه ..
انسحبت إلى مكتبها بصمت وهي ما تزال تلاحقني بنظراتها الغريبة التي تملأها الشك والحيرة ..ز كنت أشعر هذا بصمت وسكوتها ..فأخذت بترتيب الأوراق حسب كل حادثة قد تحققت منها وما إن يزيدني ذعراً ورعبا هو رسالة مطوية قد وضعت من بين الأوراق .... كانت رسالة ملأت بها الأوراق الفارغة بأسطرها التائهة لأجد عبارته الوحيدة " حياتي بدونك كهذه الأوراق .. لا معنى لها "
وبالأسفل ذُيـُل بخطه العريض "أسير حبك "
كدت أن أتمزق هلعاً بعد أن تسارعت نبضات قلبي وتلاحقت أنفاسي في شدة .. لم تكن هذه الرسالة موضوعة من قبل .. أنها وجدت في هذه اللحظة ولهذا اليوم ... إنا متأكدة من هذا ... إذن كان هنــُا في مكتبي ومن بين أوراق عملي .. خرجت مذعورة لأسال " العم درويش " فهو من يأتي مبكراً ليفتح المؤسسة قبل مجيْ أفرادها وأصحابها ... خرجت وبيدي الرسالة المطوية بينما تلاحقني أسئلة " ميسون " الوجلة ... كانت مندهشة من تصرفي المباغت كمثل اندهاشي بوجود الرسالة دلفت إلى " العم درويش "كان يقوم بتحضير القهوة لمدير القسم فلما سألته ... استنزل بي رعبا هائلا .... وخوفا خارقا ... حينما أجابني بأن لا احد دلف إلى هنا ... ولا شخص غريبا قد رآه .. منذ الصبح سوى أفرادها العاملين بها ... صعقت أكثر.. ماذا يعني قوله ... أشبح هلامي دلف إلى هــُنا دون أن يراه أحدا ..... لم أصدق ما قد سمعته ... وأردفت إلى إن " العم درويش " لكبر سنه وسرعة نسيانه ربما لم يستحضر ذاكرته لإجابتي مع إصراره العنيف بعدم ووجود مجهول ما ... قفزت في مخيلتي أن أحد من العاملين هـُنـا هو من فعل هذا أو كان الوسيط الوحيد لهذا الرجل الغريب ..وبالفعل أخذت في استجوابهم فرداُ فرداً ....شخصاً شخصاً ويا للأسف لم يكن أحداً منهم .. أو حتى رأى شيئاً مريباً أو يعلم بهذا الأمر مطلقاَ ...... وما أن عدت حتى تتطرق إلى مسمعي همهمات من ادخل المكتب ... اقتربت أكثر لأجد "ميسون " تحادث المدير بذاته ياألهي ... نسيت أمر الرسالة ........ ها هو يتقصى الأمر بي .........
أنا من قذفت الباقة على رأسه ... و يالمصيبة الكبرى كدت أن أنهار لولا أن سمعتها تقول له :
" كلا فمنذ أن رأت الرسالة حتى ولت خارجة
فسألها بصوته الأجهش : وهل تعلم بعد أم ماذا ..؟؟
كلا صدقني أنها لا تعلم بعد أنها منك أطلاقاً !!
قالتها بصوت واجف فأجابها بنفس النبرة الصارمة :
جيد وإياك أن تعلم بهذا ........... أهذا مفهوم ..؟؟
تراجعت للوراء بعد إن سمعت وقع أقدامه خارجاً فاختبأت وأنا مصدومة غير مصدقة لما يحدث كيف لم أنتبه لهذا ... أن لديه نسخة أخرى من مفتاح هذه المؤسسة وهو من فعل هذا ليبعد عنه الشبهة ولكن لما بفعل هذا بي ...
أهو حبا ... أي حبا هذا ... أنه يعد سخفاً بحق ؟؟
... عدت إلى مكتبي .. فتظاهرت بان الأمر لم يكن ولم يكن هنـا منذ قليل ..بينهما ..حملت أوراقي في صمت وأنا أتجاهل أسئلتها الملحة بي ... سرت خارجة نحو مكتب التحرير ... وضعتها لديهم واستأذنتهم بالخروج .. لم يكن لدي أدنى شك من أنه قد فعل هذا ثانية بي وفي باب شقتي ....
لذا حملتها وعدت إلى مقر عملي كان الشيء الوحيد يدور في مخيلتي هو كيف أن أعمله بفظاعة ما قام به .. فلم أجد سوى أن ابعثها إلى منزله لعلمي الشديد بقسوة وعصبية زوجته العنيفة ... وما كان لدي سوى أن أشاهد ما سيحصل يبث على الهواء مباشرة أمامي ... حينما عدت إلى المنزل ولم أنسى لحظة هروبه مرعوباً من وجه وصراخ زوجته الغاضبة ... فكلما تذكرت ضحكت بملأ شفتاي راحة وهدوء ... وما أن جن الليل حتى استرخيت في حس جميل لأغرق في نوم عميق بعدها ...


" ......... تمت ........ "

معلمة الصف ( من كتاب عاشق من لون أخر)

on الجمعة، 1 مايو 2009




دخلت المدرسة ، الكل يتحدث في همس .. الموقف غريب ، وعجيب بالنسبة لبعضهن ، والبعض الآخر أعتاد هذا الحال منذ فترة طويلة ... حملت حقيبتها وأعادت جمع خصلات شعرها المنسدل على وجهها بطريقة سريعة
ذهبت إلى الفناء الداخلي للمدرسة .... وما أن وصلت حتى فاجأتها صديقتها ( روان ) قائلة :
وفاء ... أتعلمين ماذا جرى ..؟
لقد سأمت من تصرفاتها الطائشة والفضولية ، فتنهدت وهي تقول :
لا ... ما هي أخر الأخبار لديك يا روان ...؟
لقد سمعت المعلمة سميرة تقول للمعلمة أريج ، بأن المعلمة أسماء في أجازة استثنائية طويلة... وربما أنها لن تنتهي ، لذا سيجلبون لنا معلمة غيرها ، ولقد سمعت من المعلمة فوزية بأن المعلمة ..

روان ... كفاك حديثاً ، أرجوك دعيني وشأني ، الإ تكتفين من التصنت عليهن ،
وهل بهذا الأمر شيء ...؟؟
نعم إنه عيب كبير لقد نهانا الإسلام عن التجسس على حديث الآخرين ، أنها مبادئ ديننا الحنيف
أوه .. ما بك ..؟ دائماً تغالطين أفعالي وتنتقدين تصرفاتي ... أهذا جزائي ؟ بان أخبرك بهذا الأمر الهام ...
أرجوك يا روان .. افهميني جيداً ..!
أرجوك أنت توقفي ، سوف أذهب قبل أن تطرحي فلسفتك المملة ... ذهبت عنها ، تعجبت من كلامها ولكنها لم تبالي كثيراً
دخلت إلى الفناء الداخلي ، المكان هادئ للغاية ، الكل منشغل بأعماله وواجباته ، وجدت زميلتها نوال ، قابعة في مكانها ...
بصمت اقتربت منها قائلة :
صباح الخير ، كيف حالك اليوم ، سمعت بأنك مريضة يوم أمس؟
كيف تجري الأمور ... الآن هل أنت بخير...
تطلعت إليها ثم قالت بلا مشاعر :
لا بأس ... أفضل من ذي قبل ...
ما بك يا نوال ... صوتك قد تغير بعض الشيء
لا ... ليس هناك من شيء ... أنني بخير...
جلست بقربها ، نظرت إليها ملياً ثم قالت :
ما بال عينيك متورمتان هكذا ...؟
مسحت بيدها الدموع التي انسكبت ، وأشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى ...
تعجبت منها وفاء كثيراً ، ثم قلت بهدوء:
ما بك يا نوال ، ماذا حصل لك ... أراك حزينة ومتعبة بشدة هل بالأمر شيء ..؟؟
لم تجبها وأطلقت شهقة قوية ، لتبكي بحرقة كبيرة احتضنتها وهي تقول :
أنني متأسفة بشدة .. يبدو أنني قد استشعرت بك أمراً ما كان على أن أقوم به ، على كل حال ، لا بأس وكلن أن احتجت إليَّ بشيء فلا تكتميه ، فنحن أخوة متكاتفات يا نوال
أخوة ... لا شيء بيننا
تركتها .. أردت أن تنهض لتذهب ، عندئذ سمعتها من وسط دموعها تقول :
أنت تعلمين جيداَ يا وفاء بأنني أحب المعلمة أسماء كثيراً فقد عوضتني عن حنان الإم الذي فقدته منذ زمن ، وعطف ورحمة لم أجدهما من والدي .. بل الإساءة والظلم خصوصاً من زوجته القذرة ، آه .. كم كانت خبيثة معي تذلني وتشتمني وتحتقرني ، خصوصاَ عندما أتفوق في دراستي
لقد شوهت صورتي الحسنة أمام والدي .. لأجد منه المساندة والدفاع لها ، ويقف أمامي في كل صغيرة وكبيرة ، أنه يكرهني وبشدة ، وقد اتهمني بالسرقة كذباَ لأحرم من الذهاب إلى المدرسة لمدة أسبوع ولو فضل الله وفضل المعلمة أسماء لما كنت هنا
توقفت بينما تركت دموعها تبلل وجهها بشدة
احتضنتها وهي تقول بحنان :
أتفهم هذا جيداَ يا نوال ، أعلم هذا أيضا ونحن جميعاَ نحبها
لا ....لا ...لا يمكن ...لا يمكن أن يقاس حبكم بها كحبي لها ... لا يمكن
ضمتها بقوة وهي تقول :
أشعر بهذا .. اشعر بهذا صدقيني يا نوال اشعر بهذا ...
عندئذ علا رنين جرس المدرسة معلناَ ببداية اليوم الدراسي
أصف الجميع بطوابير الصباح ... ثم ألقت إذاعة الصباح لتنشد صديقتهم هدى أنشودة حزينة للفراق والبعد عن الأحباب
حنين يهز من الأعماق .. تأثرت بذلك نوال كثيراَ
لتذهب إلى المصلى بصمت ، كي تخلو مع نفسها قليلاَ
انتهت الإذاعة التي كانت تشرف عليها المعلمة أسماء
فقرات قصيرة كلمات هادئة ، عبارات مؤثرة ، ذهبن إلى فصولهن أما فصلها فبقى يسير بهدوء والاضطراب واضح عليهن بشكل عام ... مضى نصف الوقت ولم يأخذن من الدرس شيء والحصة الأولى للعملة أسماء ،
لقد أوشك العام الدراسي على الانتهاء ولم تأتي بعد ... مضى أسبوع وأربعة أيام ولم تحضر أيضا
، طالت الشكوى ، علت أصواتهن للمطالبة بمعلمة
لم يعدن الطالبات يتقيدن بالنظام ، البعض يتغيب باستمرار والأخريات زاد تصرفهن سوءاً ، وبعضهن يصدرن فوضى كبيرة بالمدرسة ، تطاولت ألسنة المعلمات بشكوى ..
لم يستطعن التركيز بالدرس أو حتى الاستمرار فيه
وهن على هذا الوضع ،كثرت الأوراق من المعلمات بالشكوى إلى المديرة ، وكذلك الطالبات يتأخرن في الدراسة
لم يعد الوضع يحتمل أكثر ، وها هو الأسبوع الأخير يمضي بلا نتائج تحدث ولا أفعال ترصد
الوضع شيء للغاية ...بدا الإهمال واضحاً بشدة على الطالبات ، علا صرخاتهن كثيراً :
ماذا عسانا أن نفعل ..؟
ماذا بوسعنا أن نقدم ... لقد تأخرنا كثيراً ..؟
الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا الحال ...؟ لا بد من القيام بشيء ...أه ليتك لم تذهبي يا معلمتي ..ليتك لم تنجبين
ما العمل الآن ... متى ستنتهي إجازة الأمومة ...؟

كل هذا وأكثر وبلا جواب شافي ...يشفي غليل النفس والفؤاد
انتظرن طويلاً ، مضى على ذهابها أكثر من أسبوعين تقريباً ... وليس هناك تغير ما .. وفي يوم ما .. ، أتت لهن معلمة ، أتت إليهن بعد طول انتظار ...( من هي ، من تكون ، أهي لنا ، كيف شكلها ، وما أسمها ..)
أسئلة كثيرة فاقت فضول الطالبات والمعلمات ،
الوضع متوتر ، بدت الإشاعات شيئا َ فشياً سمعن طرقات لباب فصلهن ، توجهت الأنظار إليها
دهش البعض منهن .. هتفت الأخريات ...
فقد قدمت إليهن المعلمة أسماء ... هي نفسها ..لا شيء آخر
ولكن مع اختلاف بسيط
" ......... تمت ........ "