قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

أنت لي وحدي

on الجمعة، 14 أغسطس 2009



( 1 )

كانت أول صورة في حياتي أتأملها بعمق ... أول صورة نسجت بها أروع أحلامي .. .بل قد شيدت في خيالي أجمل قصر من العشق لم يكن له من الوجود من شيء ... أبحرت في عينيه المحيط كله .. همست في وضح النهار ولعي به .. سهرت الليالي أترقب قدومه على بساطه السحري .. ليحملني بعيداَ عن ارض الواقع ليثير حولنا طيف من الخيال الساحر ... هكذا كانت نظرتي التأملية في تقاسيم وجه الصافي ... بهرني وسامته الفائقة ... وهيبته الواضحة .. تحريت قدومه إليَ ... انتظرته طويلاً ... كي يأتي ... بعثت له المراسيل والأشعار .. حتى وصل بي الأمر إلى رجائي الحار إليه ... ولكن لم يحدث شيئاً ... لم يحرك ساكناً ... كنت اعتقده ساذجاً ... أو غير مبالياً ...لما تحفه المجلة من مئات المعجبين ... لاسيما الفتيات الجميلات ... كان دائما من يسترسل في شعره العذب وصف المرأة .. وجمالها البدوي ... يتغزل بكينونتها الأنثوية ... يداعب في ألفاظه مشاعرها المرهفة .. ويدغدغ بكلماته أحاسيسها بدلال ... في بادئ الأمر اعتقدته رجل متزوج بأجمل امرأة في هذا الوجود ؟؟؟ لا استحالة تطابق أشعاره في وصف امرأة كاملة ... بشخصية واحدة ... ربما كانت هذه تتربع في عرش خياله الخاص ... إلا لما لم يسمها في قصائده الغزلية ... وذات يوم اكتشفت بالصدفة بأنه لم يتزوج بعد ... وذلك بعد أن وجدت إعلان في الجريدة خبر وفاة أخيه الأكبر بحادث مروع ... لم تصدق عيناي ما قرأته ... بالفعل لقد تأثرت .. أقشعر جسدي حينها ..أتراه متألماً بعمق ... لينسى المرآة وعالمها الواسع ليلجأ إلى رثاء أخيه وحبيب قلبه وشريك طفولته .. منذ القدم .. هذا ما اعتقدته .. بالفعل أدرت قرص الهاتف المدون في صفحة الجريدة .. أخذت انتظر وأنا أسمع رنين الهاتف مرة تلو الأخرى ..ولكنه لم يجيب ...شعرت بالإحراج إذ كيف به وبهذه الحالة سيجيب ...لا جرم إنه الآن يعانق الذكريات السابقة وهو يحتضن صورته البريئة كدت أغلق سماعة الهاتف ولكن فجأة فُتُـح الخط أمامي ليأتيني صوته مبحوحا متحرجرشاً لم أنكر حينها بأنني ذرفت دموعي بلا وعي يذكر .. واسيته وقدمت له التعازي .. وبي قبضة ألم في صدري شكرني بأدب بالغ مع دعواته لي بألا يُرى احد مكروهاً .. أغلقت الهاتف بعد أن شعرت بيدي ترتجفان بقوة ... أحمرت وجنتاي بحدة .. سرت قشعريرة حادة في أطرافي لأنتفض بقوة ... استرخيت قليلاً ... أخذت أعيد ما دار بيننا من حديث وإن لم يكن ذا أهمية ... بقيت فترة تتضارب بها الصور والأحداث أمامي .. أتراه سينعزل .. أم سيخرج لنا بلون أخر بعد هذه الصدمة ... ؟؟
أتراه سينسى ما حل به من فقدان أخيه وأعز صديق له منذ طفولته ليعود كسابق عهده .. أم سيبقى في عزلة يصارع بها مع نفسه أمواج الحياة والذكريات الأليمة ...؟؟
( 2)

لم يمضي على وفاة أخيه أسبوعاً كاملاً إلا وقد عاد بقصيدتين جميلتين قد وضعت في صفحة الأدب من المجلة .. أكان هو حقيقة أم لا ..؟؟ أهذا ما كتبه حين وفاة أخيه أم تراه من أول قصائده القديمة التي سعى في نشرها منذ سنتين .. ربما .. ولكن حسب معلوماتي المتواضعة لم أقراء منها ولو بيتاً كان منذ القدم ..ربما كانت حديثة .. أو ربما كتبها قبل وفاة أخيه بأيام .. مما جعله يؤجل نشرها فترة قصيرة ... هكذا ما توصل به عقلي من تفسير غامض ... أخذت بقراءة القصيدة الأولى .. لقد كانت في الألم والعذاب من الحب وأصحابه ... يجسد معاناة الفراق واللوعة في أصدق صورة .. أما في القصيدة الثانية والتي كانت محور حديثة في وصف المرأة وإعجابه بها .. وقد تخيلها كالحور العين تحادثه في المنام ... لدرجة أنه قد ذكر رغبته في البقاء نائماً طوال الوقت كي ينعم بأجمل ما خلق ربي في هذا الكون ... حينها لم أستطع أخفاء إعجابي الشديد لهذا البيت بذات فأدرت قرص الهاتف سريعاً ..ليأتيني رده الأسرع .. كأنما كان ينتظر اتصالي..!!
أو يبدو أننا على أتفاق مسبق أو على ميعاد محدد ... ترددت برهة حتى هتفت بصوت خافت أمتزج بين دلالي ونعومة أحلامي ...
القصيدة رائعة وصياغتها أروع ..
أتاني رده في نشوة ولطف بالغ عن سروره وتعبيره بفرحه وأفصح عن إعجابي في هذا في تميزي بالذوق ..والطابع الخاص الذي أكنه في داخلي مضت نصف ساعة ونحن نتجاذب أطراف الحديث علمت من خلالها جزء من حياته .. إنه موظف بسيط في أحدى الدوائر الحكومية .. يتسلى بفراغه ... ويطلق ما في نفسه العنان لتجود له أروع ما وهبت له شاعريته الفذة .. كان يهمس لي بين الحين والأخر رغبته في الارتباط بامرأة تحمل صفات ما احتوت به قصيدته ..كان يردد في بحثه المتواصل عن أمرآة تفهمه وتعيش في عالمه السحري الشاعري ... لكنه حينها ردد بأسى أن لا توجد أمرآة تحمل ولو ربع من تلك الصفات والمحاسن .. لتبقى شيئاً في نفسه يحاول طيها مع الزمن ... لا ادري لما راقت كلماته في نفسي ولا اعلم لما بقيت صامته استمع في اهتمام لما يهمس لي ...شيئا ً في نفسي قد تحرك ... كان كالنبض يخفق بشدة ... خصوصاً وأن سألني عن مقدرتي في كتابة القصائد الشاعرية والتعبير عن الحب بشكل أفضل منه .... لا أعرف حينها ما الذي قلت له بالتحديد ولكنني سمعت صدى ضحكته العفوية في سماعة الهاتف فعاد ليسألني ..:
" مَن من ِ الشعراء تقرأين لهم أو تستمتعين بأبياتهم .."
لم أدرك إلا وقد همست له شفتاي في رقه وعذوبة متناهية :
" أنت ... ولا أحد سواك ... "
حينها أبدى تعجبه في بادئ الأمر ثم عاد وسألني السبب في ذلك ... ولكنني لم أجبه ... ؟!
يبدو من صمتي ولو برهة كفيلاً لأعلمه ما أرمي إليه ... " إنه الحب "
الحب الذي جني لي العذاب ليل نهار ... بقيت في سهاد وإرهاق كبير ... حينها اعتذرت منه وبلا مقدمات حتى أغلقت سماعة الهاتف كنت على وشك الانهيار ... ترى ما الذي فعلته ... ترى ما كان حديثنا صائباً أم فيه نوعا من المغالطة .. أكان يجدر بي كفتاة التحدث إلى رجل شاعر لعبته الكلمات ..و لا أعرف عنه سوى ما نشر بالمجلات في كل عدد عن قصائده الغزلية والرومانسية ... أكان عملي هذا هو الصواب .. أم أنها بداية لمشكلة لا حل لها .. ترى ماذا عليّ أن أصنع ...إنه يعلم عني كل شيء .. " فتاة في الثانية والعشرين .. مراهقة .. والأخيرة من بين أخواتها وإخوانها ... تدرس في الجامعة في تخصص علوم الكيمياء الحيوية .. تذهب برفقة السائق إلى الجامعة ومن ثم تقضي بقية الوقت مع صديقاتها في أحدى الأسواق أو لأحدى المطاعم الراقية ... "
والدي لا يعلم هذا .. بل الأسوء إنه يعلم أنني في أي مرحلة ادرس بها .. ربما لكبره وعجزه أقعده عن المتابعة بي .. وربما لثقته الزائدة ترك لي مساحة خاصة من الحرية ... حرية التصرف المطلقة كما أراها ... دون رادع أو عقاب مسبق ... أنني بالأحرى لا أراه الإ إلماما .. ما كان في المناسبات أو الأعياد وذلك لانشغاله في التجارة التي تعود إليه بثروة طائلة .. لم أستطع في تلك الليلة النوم بسلام .. ظللت أفكر بما قد يحدث لي .. وما قمت به ...!!
أكان صواباً أم خطأ .؟؟
حتى اهتديت في النهاية بعد ما سمعت صوت العقل بالإ أعاود الاتصال والحديث معه ... شعرت بالسخف و الإهانة ... ربما انتابني شعور بأنه يحتقرني أو قد يتخذ مني ألعوبة الحياة ... حينها قطعت عهد في نفسي على ذلك ..
( 3 )

لم يمضي أسبوع أخر حتى وجدت نفسي تتوق لسماع صوته المرن .. بما فيها من سحر ودلال .. وبالفعل ..أدرت قرص الهاتف مرة أخرى . بعد أن أغلقت صوت العقل بقوة .. لأبحر في نبض إحساسي المرهف .. مرت دقيقة كاملة لم يجبني حينها ... ربما في شغل عني .. أمضيت الوقت في ترتيب حجرتي أخذت اجمع أشعاره وصوره المنشورة في دفتري الخاص ...وحسب ترتيبها الزمني .. تأملت صورته ..يبدو لي إنه لم يتجاوز الثلاثين عاماً .. ولكنه وسيم .. ذو هيبة مميزة في عينيه ... كما انه ظهوره مميز عن كل أقرانه من الشعراء في الساحة الشعرية ... دائما ما يحف جريدته بمجموعة من القصائد المسترسلة من أشجانه الرقراقة .. كل ما فيه بديع .. كل ما فيه رائع ... بروعة لألي البحر في محاره الحجري ..وبلمعان نجوم السماء في هديانه .. مضت ثلاثة ساعات على اتصالي الأول .. أعدت الاتصال به .. فاعتذر بأدب حجم عن خروجه من المنزل ليحل إشكالية برقم هاتفه النقال حيثما كان يحمله .. وحيثما شاء أجده يجيب لي .. كم سعدت يومها .. وكم طرت فرحاً ..لقد خصني من بين جموع المعجبين برقمه الخاص ..نادراً ما يتم إعطاءه لأحد ما ... وغالباً ما تكون لأقرب المقربين إليه ..أحسست بأن هناك شيء يلمع في الأفق .. شيئاً ينتابني بالحظ الأوفر بالمستقبل ... ربما أعُجب بي .. ربما وجد فيني الشيء الذي طالما حلم به ... لا اعلم ما هو .. ولكنني أيقنت إنه واقعاً في طرف شبكة العشق .. ربما هو قريب إلي ..نقطة المركز حتى يفصح لي عنه حبه ومكنوناته بي .. كم كنت ساذجة ... بلهاء .. ما كان يريده الرجل من المرآة إلا ليتلاعب بها ... ربما ليجرب حظه العاثر بي ... ربما وجدني في غنى عن الحذر .. ليقف عند خطوطه الحمراء .. وبدأت المكالمات تتوالى يوماً بعد يوماً .. حتى أصبحت بشكل ملفت في اليوم ... الواحد حتى تميزت مكالماتنا في منتصف الليل ... يلقي بي .. أشعاره التي لم ينشرها بعد ... والتي للتو كتبها من أجلي فقط .. ثم يستأذن في نشرها إلى الأسبوع القادم تخيلت أنني ملكت العالم بحبه لي ... وتمكنت من زمام الحياة معه .. حتى إذا ما جاء اليوم الذي وجدت به قصائده التي تتطاير منها لهيب الحب من حرارة كلمات حتى سكنت مكاني وأذوب حلماً في نفسي يومها لم أستمع إلى قول صديقتي ( رانيا ) بأن ما يقوله ويتفوه به لا يعد خاص بي ..لأنه بحديثه المبهم عن تلك المرأة .... لا يمكن أن يشير أو يقصده بي إطلاقا ولو كانت تحت كل كلمات مغزى معين و يومها ... لم تستمر صداقتنا التي دامت قرابة خمس سنوات والتي ذهبت في أدراج رياح الذكريات ..
( 4 )

في ذلك اليوم بالتحديد من السنة الأخيرة قبل تخرجي من الجامعة ... وبعد الاستعدادات المسبقة لبناء عش زوجي متكامل الأركان أفاجأ بخبر قران عقده مع ابنة عمه .. أكان ما رايته صابئاً ...أكان هو حقيقاً أم لمجرد تشابه الأسماء ..... يومها لم أصمت دقيقة إلا وأنا اتصل به كل دقيقة .... لم يكن ليجبني حينها .. ذرفت دموعي طويلا ً... أكانت هذه قصة حب تولدت وعاشت في خيالاتي .. لتبقى وحيدة يتيمة المشاعر ... أم بقيت نموذجاً له يقلبني كيفما يشاء ..ووقت ما يحلو له ... أم أنني بقيت في عينه المرآة الساذجة التافهة التي تبوح له عما في خاطرها بدون أي روابط تربطنا سوى الحديث عن بعضينا .. ولا أساس .. ما كانت تنتظره امرأة هائمة وسط أسطر كلمات وبين أشطر أبياته ... ما كان ينتظره مني بعد أن أخلصت له وفاء ومحبة وهياماً .. أكل هذا قد ذهب مع أدراج الرياح الباردة ... أبكل هذا المشاعر المتوقعة للانسجام والتفاهم والحب الأبدي والروحاني الذي أكنه في دواخل القلب .. لما يدفن في لحظة .. ولم يكتمل ولادته بعد ... أيرحل عني المحب الميتم بقصائده لامرأة أخرى ...
.. وأنا ... وأنا ماذا ...؟؟
ما كنت افعل هذا لولا جنون حبي له ..... ما كنت أصل لهذه المرحلة لولا عشقي الأعمى به ...أكان ما حصل بيننا تتمزق في شغوف وسط أوراق الخريف المتساقطة ... أتراه مازحاً ... أم يرى بي صورة المرأة بأقبح ألوانها .. أكنت أمُثل له الجانب الوضيع والمشين للمرأة ... وأن أبنه عمه التي اقترن بها هي الملاك الطاهر .. أم للتقاليد وعادات المجتمع هو ما قيدت حبه ليفني وسط نظام العائلة المحافظة ... والمترابطة ... كيف .. أهذا لأنه رجل مرهف المشاعر متدفق الخيال أم أنها سمة يتفق بها كل الرجال ... أتراني أخطأت .. أم أنني قسوت على نفسي .. أم فرض المجتمع قيود على العشاق والمحبين ... كيف حصل هذا .. ولما استرخصت حبي له ... أم من اجل أنني عشقت كلماته المتعانقة بأبيات الحب الخالد ... أم لأنني فتحت له أشرعة المحبة دون أن أنتظر أن يطرق الباب بنفسه ... لماذا أبقى أنا حبيسة كلمات في أبياته ... أعانق عذاب الحب بقصائده ... ولكن السؤال هنُا ... والذي قهر قلبي وحبس أوتاري وقطع حبال عشقي ألما ً ..وسط تسأولاتي أرددها في صدى أنفاسي المصدومة ...
أكنت حقا هي المقصودة في قصائده أم كانت من تخالفني هي التي حظيت بمقصوده ...؟؟؟


" ......... تمت ........ "

3 التعليقات:

سمر - الرياض يقول...

الله القصة مرة حلوة صراحة
انتظر المزيد من روائع قصصك الشيقة

غير معرف يقول...

قصتك جيدة

واتمنى لك التوفيق ،،

Unknown يقول...

من لآلئ البحر ودرره ..

نصنع عقدا ناصع البياض ..

تتوسطه درة جميلة لها بريق رائع نكتب عليها

رائعة أنتي عبير

وحينما يكون للأبداع عنوان فهو ماخطه قلمك هنا

تقبلي فائق تقديري ووافر أحترامي

عبدالرحيم المضيان