قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

حديقة المنزل

on الخميس، 20 أغسطس 2009




كنت في سن المراهقة عندما خرجت نحو الحديقة المنزل .. لم تكن لدي أدنى معرفة لوجوده آنذاك . .. كنت أريد الترويج عن نفسي قليلا فقصدت أزهاري النرجسية التي زرعتها منذ فترة ليست قصيرة ..
سرت بهدوء يحيطني السكون والوداعة على محياي ... أردت أن أكون بسيطة مغايرة عن كل يوم لذا فقد كسرت روتين حياتي اليومي فارتديت قميصي القطني على البنطال الجينز .. أبدو طبيعية ... أرخيت عن شعري رباطه لبقية ينطلق بحرية كاملة .. كما كنت اشعر به ....
لدى رغبة كبيرة في أن أستمتع بحريتي المطلقة جلست بقرب إزهاري أخذت أتحسس رقتها وروعة جمالها ... بحنان قلبتها دون أن اشعر فسرى في أنفاسي عطرها السحري .. شعرت بنشوة غريبة فاحتضنتها وأنا أمررها بعذوبة على خدي الوردي ...
وبينما أنا هكذا منسجمة مع لحن الطبيعة وصفائها إذ به يقترب مني بهدوء ليهمس لي في ود طاغ:
تبدين رقيقة كنسمة الصباح ...
وما أن تطلعت عليه إذا هو خطيب أختي قد أتى لزيارتها اليوم ... أنصدمت شعرت بأحرج كبير لبساطة هيئتي وافتقاري لأبسط مقومات الأناقة والدلال .. تقوصت في مكاني وفي استحياء يلفه الرقة رحبت به :
أهلا فيصل ... كيف حالك .. عجيب أنني لا أرى أحد من أسرتك هنـُا ..؟؟!
ابتسم في خجل وتردد ثم هتف ببساطة :
لا داعي لقدومهم ها هنـا .. فأنا أردت رؤية أختك والتحدث إليها :
حينها كانت قد خرجت متطيبة بعد أن أخذت كامل زينتها إليه ... كدت أن أختنق خجلاً فأستاذنت منهما بالانسحاب في رقة واحترام ... وما أن أتت إليه حتى احتضنته في عذوبة لتسحبه إلى الأرجوحة الحديقة .. لكنني شعرت بنظراته المسترقة إليّ بين كل آونة ...
بقيت إلى جوار أحواضي الزهرية . أتأملها مليا ... ولكنني كنت سارحة بفكري إلى شيء لا وجود له ... شيء خفي .. لا اعرف ما هو ..؟؟
ولكنني رأيت هذا من بين عينيه .. أهو رسالة الجسد يبعثها إليّ أم ماذا ...؟؟؟
شيء في نظراته تفسر الكثير ربما مودة أو تعاطف ..... ربما حنان وأخوة ... ولكنني لا أعلم ما هو ..بالتحديد .. لذا سرت إلى داخل المنزل في شيء بلا مبالاة وأنا استمع لضحكاتها ونشوة سعادتها في وجوده أرجعت الأمر أنه إحراج فقط ...شعرت به لذا دلفت إلى حجرتي .. وأنا شبه غارقة بالوهم .. لا اعرف ماذا جرى ولكنني أخذت أحلم به وكأنه صورة لفارس أحلامي .. وشيئاً فشيئاً حتى سرحت إلى ما أبعد من الخيال ...لأرسم على ضباب الوهم مملكة حبيُ ومن صورة السراب فارس أحلامي .. ومن أغبرة خيالي كان قدومه إليّ فوق صهوة جواه الأبيض سريعاً يتطاير حصوات نبضي ورمال عشقي خلفه في هيام ... هكذا بدأ لي الحلم رومانسي رائع لأبقى أتتأمل حضوره وما أن يأتي حتى يحتضنني ويأخذني إلى عالم غامض بعيد عن هذا الكون ...ولكنني فجأة وجدت نفسي بين جداران أربعة تحوم حولي الصور وشيء من أغراضي الخاصة ...شعرت بالفراغ في داخلي حينها ... لما لا يحدق هذا معي ... كما يحدث هذا الآن ...مع أختي .. أخذت أفكر بالطريقة المناسبة لفعل هذا فما وجدت غير أبن عمي " سلطان " الشاب المتعلم المثقف الجامعي .. هو الأنسب لي ... صحيح أنه يكبرني بخمسة أعوام ولكنه الأقرب إلى سني ... بدأت أخطط بطريقة كي يأتي إلينا فأريه أجمل ما لدي ...ليتكرر زيارته إلينا كثيراً ... حتى يقع في حبي ويتوج نهاية حُبنا بزواج بعضينا ... يااااه.... كم كان حلماً سطحياً ... لفتاة في السابعة عشر من عمرها ... لم ترى الدنيا على حقيقتها .. ولم تتفحص لغة العيون على واقعها ... لذا بدأت ... أسرح بفكري طويلاً عليه ... حتى هاتفت عمي ذات يوم .. وطلبت منه المجيء مع أسرته دون أن يتخلف عن الحضور احد منهم ...لبى طلبي مسرورا ... وحينما أتى مع العائلة كلها تشوقت لرؤيته فلبست أجمل ما لدي ... لبست فستاني السماوي الممزوج بالبيض ...وسرحت شعري وأسدلته كستار الليل المظلم بالسواد .. وزينت أذاناي بأقراص حلق فضي اللون ليضفي لي سمة الرقة والنعومة الكاملة ... وحينما أتيت إليهم .. و بي شوق لنظر إليه وتساؤلات تدور في مخيلتي ( أن كان يعجب بي .. هل أعجبه بشكلي ولون شعري ... هل سيتّوق للنظر إليّ مرة أخرى لو رآني الآن بهذا الشكل المبهر ) وما أن اقتربت إلى أخته " نورة " حتى سألتها بعفوية : جيدا أن جميعكم قد حضر ... هذا يسعدني حقاً
فأجابت لي : صحيح ماعدا أخي سلطان فأنه لم يحضر بل فضل البقاء في المنزل ...
حينها أنصدمت وصرخت بها فجأة دون أننتبه لردة فعلي هذا وأنا أقول :
ماذا ....لم يأتي ....لماذا ...؟؟
بقيت فترة مندهشة من ردت فعلي ...فما من عادتي فعل هذا فتداركت ببراعة وخفة وأنا أحاول أخفاء توتري ... :
أقصد لما لم يأتي ... إنني أعدت لكم مفاجأة سارة ... ولا أريد أحد أن يتغيب عنها ..!!!
هتفت أخته نورة ببرودة أثار أعصابي قليل :
أي مفاجأة لم يخبرنا أبي بهذا ...!!
شعرت باختناق قليلاً من إجابتها ... فأردفت بعصبية :
لقد صنعت الطعام بنفسي وأريد منكم أن تتذوقونه .. كنت أريد رأيكم به جميعا ..!!
حينها انفجرت بي ضاحكة وهي تردد :
أمن أجل هذا دعوتنا أم ماذا ... على كل حال لا بأس يا عزيزتي .. سأقول رأيي فيه حينما أتذوقه ... كدت أن أختنق بقولها .. فصمت وحاولت أن أتمالك أعصابي أمامها ..كي لا تنفلت بقوة .. كدت أن أحطم أسنانها من شدة ضحكتها بي ...ولكنني كتمت غيضي لا توارى من أعينهم جميعا إلى المطبخ في شبة انهيار لفشل الخطة منذ بدايتها ... وما أن دلفت حتى فوجئت به .. خطيب أختي " فيصل " يسترق النظر إلى ما دخل القدور بقيت فجأة مشدوهة أحاول استيعاب ما أراه أكان موقفاً هزلياً منه أم مجرد فضول طاغ عليه .. نظرا إليّ فأحمر وجنتاه خجلاً ثم هتفت بإحراج كبير وهو يتصنع المرح :
عذراً ... لقد ألمتني المعدة من شدة الجوع فأرادت أن أذيقها شيئا يسيراً لحين موعد الغذاء وما أن انتهى حتى بقيت فترة استوعبت لما يجري أمامي فتبسم وهو ينظر بتوتر ملحوظ فأقترب أكثر ليهمس لي بعد إن ربت علي كتفي :
الواقع أن الطعام به رائحة مميزة مثلك تماماً وأن قال هذا حتى أخذت أختي من الخارج ... تناديه باحثة عنه فخرج مستأذنا برقة ولطف رقيق بقيت لحظات دون أن أعي ما لذي فعلته سحرتني كلماته وصوته العذب ... بل إن ملامسته لي جعلتني أسبح إلى أعمق المحيطات ... عالم من الغموض اعتراني حينما اقترب مني وكأنه يرسل لي المعنى الحقيقي وراء كلماته الإيقاعية ... عدت إلى الأطباق لأرى أكان ما قال عنه مطابقا أم مجرد مجاملة لطيفة منه .. لأجد شيئا يثير كل هذا الاهتمام ... لذا شككت في نفسي بأنني أختلف أوهام لا معنى لها ...وشيئا لا وجود بها ... قمت بتحضير الشاي وما أن انتهيت حتى قدمت إليهم الكل منبسط ومنشرح الصدر في مكانه خصوصاً عند التجمعات العائلية بذات تحدث نكهة خاصة لا تنسى فأخذت بتوزيع فناجين الشاي .عليهم .... وما أن اقتربت منه حتى وقف ليتناوله مني وهو يهمس بي بصوت رقيق :
حتى الشاي له مذاقه الخاص منك ...
سرت من جواره حتى دس لي شيئا غريبا شعرت به .. تصرفاته بدت مريبة لهذا اليوم وما أن سار اليوم كله على ما يرام حتى عدت إلى حجرتي ... تذكرت بوضوح حينها ماذا افعل ...أفرغت ما كان في جيبي وبالمفاجأة ...
صورته وبأسفلها رقم هاتفه ... ماذا يظن نفسه ..؟؟
أهو مجنون أم معتوه ... ما الذي يرمي إليه ...؟؟
ماذا يقصد بفعله هذا ...؟؟؟ لم يكن لدي شيئا لأقوم به سوى الاتصال عليه وبالفعل أدرت رقم الهاتف ليأتيني صوته العذب قد زاد عذوبة وكلماته الحانية قد زادت ولعاً ورقة ... ما كان ليثير مخاوفي هو إعجابه بي ...
لدرجة أنه واقعاً في حبي ... وهاهو يطلب مني أن إبداله ذات الشعور .. وتلك المحبة العشواء ... جننت كيف بي أفعل هذا ... زوج أختي المستقبل ... وحبيبها الحالي يرغب بي دونها ... عجيب أمر الرجال .. لذا فقد نهرته وصرخت به ... إلا يفعل هذا ثانية وإلا أعملت أختي بهذا ...ليأتي إجابته الشافية كخنجر قد سم نصله في قلبي ... بأنه سيتركها وسيفسخ الخطوبة منها ليتقدم إليّ خاطباً ... أتراه جن أم ماذا ... أحصل لعقله ارتجالا أم بدون إن استوعب لما يجري بكل قهر وألم " مستحيل ... مستحيل " ما ذنب أختي بعد كل هذا ..؟؟
أتهيم به ليل نهار وتحلم بموعد الزفاف لتطير معه إلى عالم يملئه الحنان والحب وأروع لحظات السنين ... كلا ...لا يمكن ... لن أفعل هذا بها ... ولا يمكنني خيانتها ... بحبيبها ... الوحيد الذي زرع في قلبها وردة الأمل والمحبة ...والعطاء ... والنقاء ... لتحمل ثمرة حبها ... كل ليلة .. فتسقيها من دموع العشق والهيام .... كلا ... أنها خيانة كبرى أن أقابل تلك الثقة بهذا العمل ..مستحيل ...أنه قتل لحياة إنسانة عاشت أروع لحظات الحب والغرام لن أسرق قلب حبيبها لأمتلكه طول عمري .. لن أبني عش الزوجية فوق أشلاء انهيارها ودموع حزنها ...لن أربي أبنائي على أروع المعاني بينما بدأت حياتي با سوء ما ينعت عليّ كلا ... أنه جور ... وظلم ... وحرمان لسعادة أختي ... أغلقت الهاتف في وجه فأجده يعيد الاتصال مراراً بي لكنني عشت لحظات صراع مستميت مابين الحق والباطل والحب والحياة .. والألم والفراق .. وما أن أتي الصباح حتى سمعت عويل أختي ونحيبها .. أدركت ما قام به .. كان أفضع أحساس اعتراني طوال حياتي .. شعور بالحنق يعتصرني كلما تذكرته مزقت صورته التي تخفي أقبح المعاني التي ترتفع الكلمات عن وصفها له ...بل تتلاشى الأحرف عن ذكر اسمه ... شتت كياني ...ألهمني شعور بالذنب القاتل لتعاسة حياتها منذ البداية ما ذنبها ... القلب وما يهوى ... فعلاّ هاهي تبكي بحرقة فراقه .. وتناشد حلمها الضائع بعد أن أستغرق في بناء ليال عديدة .. أدركت حجم معاناتها .. وألمها .. ولكنني كنت السبب الرئيسي لطعن قلبها النقي ..المنزل كئيب ... صامت ... سكون يسري في الأرجاء ليخيمه الحزن والعذاب ...وصوت نحيبها بعلو حنيناً ويرحل حينها كلما ودعت أخر صوره العالقة في عقلها ..لم أجد شيئا لأصنع لها !!
حسرة تكاد تفطر قلبي حزنا بها ... خرجت إلى حديقة المنزل بآلامي وعذاباتي .. مسكينة لا تعلم ما سبب رحيله عنها ... وقفت أمام أحواض أزهاري وكأنها تشاركني في عزائي وشعوري بالذنب تجاه أختي .. لأسقيها من دموعي ما تتحدث عما في أنفاسي الملتاعة ..فأبقى طويلاً ... حتى بللتها من دموعي ما يكفي لأن تقوم هي بذرف دموعها ..
" ............. تمت ..........."


3 التعليقات:

سمر - الرياض يقول...

الله القصة مرة حلوة صراحة
انتظر المزيد من روائع قصصك الشيقة

هــنــد يقول...

قصتك جميلة جدا
هــنــد

الجازي يقول...

القصة رائعة وفي قمة الروعة

وأنا من المتابعين لقصتك المميزة