قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

مذكرات طالب كسول

on الخميس، 3 سبتمبر 2009


بسرعة فهمت أن لا علاقة لي بذاك الفتى الذي قرأت عنه في الفصل الجديد .. ذالك الفتى المهذب النشيط الذي يستيقظ باكرا ويغسل وجهه وأسنانه ويلبس قميصه وبنطاله بشكل أنيق ... ثم يغادر المدرسة بعد أن يتناول وجبة فطوره الخاصة من رقائق الذرة الهشة والتي تعده والدته الرقيقة ….هكذا ما وصلني همسا من أحد تلاميذ الفصل أو ربما خيل لي ذلك ...


وفي الصباح اليوم التالي ...أستيقظ وفراشي مبلل بسبب أمطار لا علاقة لها بالسماء ، حينما أفعلها أحاول طمس الحادث وذلك بقلب الفراش .... متخفيا بالذهاب إلى المدرسة... خشية أن تلاحقني نوبات الغضب من والدتي .. أو قرصه حارة من أطراف أناملها النحيلة على أذناي .. مضى اليوم دون أن تذكر والدتي لحادثة الصبح ...


وفي الليل سررت كثيراً بوجود أبناء خالتي " أحمد وهمام " أذكر أنني لعبت حتى وقعت من الإعياء ... لم نترك زاوية في البيت إلا ولعبنا فيه لعبة سبورة وقلم ...وفي المطبخ ...لعبة قذف الصحون البلاستيكية ... وبدورة المياه .. لعبة رش الماء ... أذكر يومها أبي لم يكتف بالشجار مع والدتي حتى أخر الليل .. ولو أنني دفنت رأسي تحت وسادتي .... إلا أن ضرب الباب من قبل والدي حينما خرج أحدث دوي هائل بين جداران منزلنا .. خشيت تأتي إلي أمي وأن تفجر قنبلة الغضب علي .. لذا أثرت النوم حقيقة على أن أمثل كما في كل مرة ..بعد أن سمعت وقع أقدامها تتوجه نحو حجرتي ..


وفي اليوم التالي ... نهضت من فراشي .. و قفزت نحو مرآتي لأكتشف معالم ليلة أمس ... لم يحدث شيئاً ... فتناهي إلى مسمعي صراخ والدتي :
فيصل فطورك جاهز .. سأذهب لأستحم الآن إياك لو تأخرت عن المدرسة ...


وما أن سمعت قولها حتى أسرعت نحو المطبخ وقلبي الصغير ينبض بقوة خشية أن أتأخر فعلا ... سحبت أقرب مقعد لأتناول فطوري الكبير المكون من كأس شاي وخبز وجبنه بيضاء مالحة مع حبيبات الزيتون ، تذكرت أني يوم أمس لم أحفظ جدول الضرب ،ومجرد هذا الاسم يوحي بالعصا أكثر ما يوحي لي بمادة الرياضيات ….


خرجت من المنزل في اتجاه المدرسة ....وكالعادة حينما لا أكون بمزاجي يكون نصيب أي قط ألتقية هو الرجم بالحجارة … أو الركل أحياناً ...لا أعلم لماذا كلما اقتربت من المدرسة ارتفع معدل نبض قلبي الصغير ، طالما تساءلت دوماً عن سر عدم وجود معلم طيب ...بالمدرسة .... ولما تيقنت أنه أمر مستحيل .... دعوت الله أن يموت المعلم أو أن يضرب زلزال مدرستنا ....وأثناء سيري وأنا اركل الحجر والعلب الفارغة بالطريق التقيت بهمام ابن خالتي زال خوفي ....حينها ... وسررت لتواجده ... وقبل أن أحدثه ، سألني :
هل حفظت جدول الضرب والقرآن هذه المرة ؟.

يا ويلي ..لم أعد أشك في أن هذا اليوم سيكون يومي حافل بامتياز .


وصلنا ولجنّا القاعة ثم دخل المعلم فعم الصمت .... لحظتها ... لم تعد لي رغبة في لعب دور المهرج والمضحك فقد بدا المعلم مخيفا كالشبح . ... يبدو أنه قد تشاجر مع زوجته يوم أمس كوالدي ....لمحت من بين يديه حزام بنطاله ... أدرك تماماً ما معنى هذا فمازال ظهري يشهد خط حتى هذه اللحظة .. سر بقربي وأنا أحاول أن أبدو واثقاً بعض الشيء .....ابتعد قليلاً ... و أخذ يمر بين الصفوف .... رائحة عطره وصوت حذائه يزيدان من رعبه.... فجأة أتى الحارس .... طالبا المعلم فذهب إليه ....وتحدثا أمام الباب .... يا الله .. تمنيت أن يكون أمر هاما من سعادة المدير ... ودعوت في قلبي أن يعتذر عن هذه الحصة ... ولكن ... علت ضحكه من خارج الفصل ... نعم ... رأيته يضحك ويربت على كتف الحارس .... يا الله .... مؤشر جيد ........ لاشك أن مزاجه جيد هذا اليوم .....لكن ما إن تودعا ،

حتى دخل بنظرات تشتعل فيها النيران ....

-هل أنجزتم واجباتكم ؟


أجبت مع الجميع بكلمة ليست بلا ولا بنعم : بـ.. بـ.. ن..عم ..


لاأخذنا نمر إلى السبورة تباعا لاستظهار ما حفظناه .... وفي كل مرة ينتهي فيها دور أحدهم أنظر إلى المعلم بثقة .....وكأنني حفظت كل شيء ومتشوق للإستظهار .لكن لعبتي الصغيرة لم تعمر طويلا ....فقد مر الوقت بسرعة فجاء دوري وسقط القناع .....


وقفت أمام السبورة وأخذت أنظر إلى الأرض وساقاي ترتجفان ...لم أكن أفكر في أي شيء آخر ..... غير عدد الضربات التي سأتلقاها وأنا أنظر برعب وخوف إلى يده التي غرسها في نص حزامه ... وأملت أن لا يمسكني من أذني ثانية فهما كبيرتان بما فيه الكفاية .... مددت يدي لعصا المعلم التي لا ترحم ... وأخذت أنظر إلى التلاميذ بين مستهزئ مني ومشفق علي..

لم أنسى وجبة العقاب في الأسبوع الماضي ... ولا زلت اشعر بيدي وكأنهما تنبضان حمرة وألماً ...... .لكني أحسست بسعادة كبيرة عندما علا رنين الجرس معلنا انتهاء الحصة ... لم أنسى ذلك اليوم كم كانت سعادتي غامرة ... حمدت الله كثيراً ... ولكنني يومها قد حصلت على عقاب آخر حتى أخر الليل ...

" .... تمت ...."

0 التعليقات: