قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

سجاد أمي

on الأربعاء، 16 سبتمبر 2009







أخذت أنفض المجلس بعد أن ذهب ضيوف والدي ... حملت معي السفرة وبعض كأسات العصير والتي صبغت بدهن اللحم في حوافها .... ما كان بوسعي غير إن أردد :
دائما الرجال مقرفين ....يتركون أوساخهم أينما كانوا...
وبينما أنا أسير إذ سقط أحدى الكأسات ...وطش ربع ما فيه على سجادة المدخل .... أدركت أنني وقعت في ورطة ... يا ويلي ... هذه ليست أي سجادة ... هذه سجادة والدتي الغالية ... ماذا فعلت قلت هذا مذعورة أن تراني ... فأسرعت نحو المطبخ أضع ما بيدي .. وخطفت بدون أن تنتبه والدتي منشفة كانت على طرف الطاولة ... أخذت أغسل وأنظف بقعة العصير التي طبعت لوناً زهرياً باهتاً على نقوشها ... أحسست أنني سأوجه مشكلة مستعصية لا قرار فيه .. لذا أسرعت نحوها أخبرها بطبيعتي الخائفة .... بكذبة صغيرة ......بعد أن نسجت منها قصة من عندي .... لحظات حتى انفجرت غضبا وأخذت تلعن حظه .... وهي تشتمه ... بقيت في ذهول... وأنا أحمد الله في نفسي أن أسعفتها من ضرب وشتم محقق ...وحينما عاد والدي بعد أن ودع ضيوفه الكرام عند الباب ...حتى أسرع بمناداة والدتي ... هرعت إليه بتعجب .... فلم يسبق أن فعل ذلك مسبقاً ... هرعت متسألة لما يحدث ....خشيت أن تخبره عما حصل لسجادتها الحبيبية إلى قلبها ...لذا أثرت الاختباء قرب الباب لأستمع ما يدور بينهما .... حينها علت علامات الدهشة على محياي ... أكان ما أسمعه حقيقة أم لا .... لقد أخبرها والدي بأن أحد ضيوفه قد أطلعه على ابن عمه الأعمى ... والذي يرغب بالزواج من بنات أحد الأسر وقد وقع اختياره بابنتنا لأبن عمه ... أخذت أمي تترد بقولها :
ولكن ... ولكن ...
فأجابها بفرح ... لم أعهده منه من قبل :
أنه يمتلك ثروة تقدر بـثلاثة ملايين ريال ... أتودين أن نبقى في عجزنا وفقرنا هذه ...نخشى إن ينتهي العام ولم نجمع مبلغ الإيجار ... أتودين أن ترين عجزي خلال الأعوام القادمة وتقاعدي عن العمل لنهاية هذا العام ... إن حالتنا سوف تزداد سوء عن كل يوم ... لو كان لدي والد لأعدت التفكير بالأمر.. ولكن ليس لدينا سوها ... هي ابنتنا الوحيدة ... لا تنسين أنها قد قاربت على سن الزواج ... ولم يتقدم احد من أبناء أخوالها أو من أبناء عمومتها ... أتعلمين لماذا .... لأنها لا تتمتع بالجمال كبنات خالاتها أو من بنات عماتها.
ما الذي تقوله ... ابنتك مازالت صغيرة ... وهي جميلة ولكن من سيقدرها ...؟؟.
لا تخشي شيئاً ... سنكون بخير أن تم زواجها منه ... لا تنسي أنه أعمى ... فلن يهتم بكونها جميلة أم بسيطة ....
دمعت عيناي لحظتها وأنا اسحب نفسي إلى المطبخ أردد في نفسي" ... أعمى ... أأتزوج بأعمى .... يا ويلي ...سأطعمه لأنه لا يرى ... سألبسه ..لا أنه لا يرى ... سأغسله لأنه لا يرى ...أذن كيف سنعيش معاً ... كيف ...سنعيش .... كيف..!!"
تناهى إلى مسمعي وقع أقدام تقترب فأخذت بحمل الطبق وغسله .. لأجد والدتي ترتبت على كتفاي قائلة بطيبة نابعة من القلب :
الله يعطيك العافية عزيزتي ... ويطيل بعمري كي أراك عروسة في بيت زوجك سعيدة ومرتاحة فيه ....
صمت ولم أرد بشيء ... مضى الليل على خير ما يرام ... وبعد أسبوع ... صحوت في الصبح باكراً ..... على ضرب أمي لسجادتها الحبيبة ....نزلت لأراها ...فإذا هي تبكي .... هتفت بخوف لم استطع كتمانه من أنفاسي :
أمي ...أمي ..ما بك .. ماذا حصل ... لما تبكين ..!!
نظرت إلي بألم ولم ترد بشيء ... زاد المخاوف في نفسي وأنا أهزها بيدي قائلة بخوف أكبر :
أمي ماذا حدث ...أ أبي بخير....!!!
فسحبت نفسها لتجلس بأقرب قطعة مرتفعة عن الأرض حتى قالت ...:
أباك بخير ....ولكنه تقاعد عن العمل ...وحالتنا صعبة فلم يجد أباك المبلغ الكافي لتسديد إيجار المنزل.... وأن لم يسدد فسيسجن ...!!
لا أعلم لماذا شعرت حينها بأنها مسرحية حبكتها والدتها بالاتفاق مع والدي ... لذا أجبتها بعد إن أبعدت عنها قليلاً :
أكل هذا من أجل إن أتزوج بالأعمى... !!
تطلعت لحظتها والدتي .. حتى نهضت نحوي قائلة ... :
ما لذي تقولينه ...أي أعمى هذا ..؟؟
نظرت في إزاء مرددة في نفسي " مسرحية جيدة يا أمي ..." فأجبتها بثقة :
أوهناك أعمى أخر ...!!!
لم أستوعب ما حصل سوى أنني حصلت على صفعة قوية على نصف وجهي ... شعرت حينها بألم بالغ ... وتخدر في خدي الأيسر ... نزلت دمعتي سريعا على غير عادتي ... أحسست بأنني أخطت بحقها كثيراً ... نظرت إليّ قائلة :
أو تعتقدين أننا سنزوجك من اجل المال ..
لقد تشاورنا في تلك الليلة حتى بزغ الفجر ... فكر أباك مليا ... ولكن قلبه لم يطاوعه إن يزوجك إياه ... مع انه واقع في مشكلة ...إلا انه رفض تزويجك إياه ... رغبة منه أن تتزوجي بشاب رائع يسعى لإسعادك حتى أخر لحظة في عمرك ... أولا تخجلين من التفكير بنا على هذا النحو ...!!
لم أكد استوعب لما حصل منذ قليل إلا بعدما دخلت أمي نحو حجرتها لتخرج مصوغاتها الذهبية بعلبة سوداء مخملية ... أخذت أتطلع عليها باستفهام وتعجب حتى أردفت لي :
حتى ذهبي لم يوافق على بيعه لحل وإنهاء مشكلتنا ... لقد أبقاه لي قائلا بحب كبير ... " هذه هدية زواجنا ولن أبيعه حتى لو اضطررت لدخول السجن .. فأنا الرجل مادمت على قيد الحياة ... سأعمل حتى لو كلفني الأمر صحتي ولكن لن أخذ شعرة منك ولا من أبنتك ....لن أخذ منكما شيء ... فجّل سعادتي هي سعادتكما ..
نظرت لها بعد إن دخلت حجرتها وأغلقت الباب بقوة ...لحظات صمت مضت وأنا لم أدرك ما الذي يحدث ... بقيت في حالة الشك والتصديق ... هل ما حصل هو مسرحية الواقع ...أم أنني مازلت احلم ... ما الذي يجري هنا ... ...أيسجن أبي حقاً ... أم أن أمي تحرك عواطفي لموافقة ...ولكنها لم تذكر عن الزواج ... هل أنا أحلم أم أن مسرحية سخرية القدر قد عرضت لي ....تأملت ساعة الجدار بعد أن ضرب جرسه الضعيف بألم وبصوت متقطع ....أنها الساعة الحادية والعشر صباحاً نظرت نحو نافذتي لأجد سجادة أمي معلقا يتطاير أطراف شعيراته برفق ... حرك ذلك في نفسي أحساس هادئ وراحة لا اعلم من أين أتت ....نهضت نحو سجادتها بعد إن أغمضت عيناي بلذة الإحساس أسحب كل مشاعري بأطراف أناملي لأتلمس خيوطه المتطايرة ... أمتزج خيوطه الرقيقة بأناملي النحيلة ... شعور غريب ... تملكني .... وخفة روح لأول مرة شعرت فيه يومها ..

" ....... تمت ....."

5 التعليقات:

سمر المقرن يقول...

مرة قصة حلوة
ذكرتني بمواقف مع أمي
الله يوفقك يالغلا


سمر المقرن

العذوب- جامعة الملك فيصل يقول...

روعه روعه القصه
رجعتينا للماضي البعيد والقريب للذاكره

سلطانة - كلية التربية يقول...

دموعي..
لا استطيع التحكم بها..
في كل مرة اقرأ ابداعاتك..

غير معرف يقول...

من جد القصة تجنن

عواطف صادقة

ومشاعر حقيقة


أهنأك

سعاد - كلية الصيدلة

ريما الشعيبي يقول...

لم أجد كلمة

تعبر عن روعة قلمك

ولكن

شكرا

قد تكون الأكثر تعبيرا

دام عطر كلماتك