قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

معشوقة الملايين

on السبت، 4 يوليو 2009





كنت أحاول أن أعالج الشرود و ضياع خيوط الفهم بين صفحات الكتاب الذي كان بين يدي .... ، كتاب شيق للغاية ... حاولت أن اربط بين المعاني ... لكنها كانت تتمنع ... .فيسرقني من بين لحظات سكون العاصفة نحوها ... هي ...سحرت لبعض ثواني في سراب طيور الليل ... مازلت أحبها من صميم وجداني ... لم تكن امرأة كمثل الأخريات ... لقد كان لها رائحة مميزة ... ونظرة ساحرة ... انسحبت من شرودي فجأة على وقعة كوب القهوة في قميصي ...

عدت إلى كتابي وأنا أسترق النظر خلف أحرفه الخجولة ... كان التشتت الذي ينتابني يزيدني إصرارا على محاولة التركيز وتجميع ما بقي عندي جهد من ذهني لترتيب الأفكار واتساق الإحداث التي جرت مسبقاً ... مازال الاكتئاب يلزمني منذ فترة .... بدأت تطول و تزداد وطأته حدة وقسوة ... ،تذكرت صديقي اللي يرتد دائما عيادة الدكتور خالد للطب النفسي والأسري ... كان أول ما قاله حينما يصل إلى عيادته :

فقط خذ نفساً عميقاً وتذكر أنك متميز دائما ً ...

بعدما أخذت نفساً عميقاً وقع عيني على الكتاب فقلبت الصفحة " يا ألهي !!! "

قالتها في نفسي وأنا انتبه إلى أن خطأ حادا في ترتيب الصفحات هو السبب الحقيقي وراء هذا الاختلال وتشتت الحدث ....كان يصعب علي أن انتبه إلى كل هذا.... أخذت أقلب صفحات الكتاب بدون هدف !! ... كدت أن أمزق صفحاته القديمة .. بغلافه اللون الأصفر البالي اللون ..... لولا أن صوتا نبهني فستوقفت ..... ...كان الصوت بعيدا ... . صوت لرجل أغلظ يمازج أحرف كلماته من الحشرجة و البكاء ... بضع ثواني حتى اتضحت لي معالم وجه ... لقد بدأ نحيفا و قصير القامة يشوب لون بشرته السمرة القاني ِ ... قد أختلط لونه بعروقه المتصلبة حول أطرافه ... خطوات تقربه مني ... حتى داهسة سيارة ذات سرعة مجنونة .... أخذت أنظر للحظات ...كيف أن الموت والحياة لا تفصلهم غير ثواني معدودة ........ إن حرقة فقده مازالت تتقد في قلبي وصراخه مازال يطن في أذنيّ ... وصورته ملطخـ بالدماء مازلت أتذكره للتو كيف حصل كل هذا في أقل من دقيقة !!
أحسست بقشعريرة تستبد بي وكادت آن تقفز دمعة من مقلتي لولا أني اجتهدت في قبضها ، كان للموت حكايات عندي ..وفصولها دموع امتدت لليالٍ عديدة ... . وللحزن ولادة جديدة في كتلتي الشعورية ... .مثل كل البشر و مثل كل الأنفاس التعيسة ..... التي تستهلك نسائم الدخان في قبر الأحزان ...
انتبهت عندما عدت إلى الكتاب بحثت الصفحة التي كنت أسترق كلماتها ....... فتنبهت إلى أن الصفحة المائة كانت تجاور الصفحة قد تجاوزت صفحة المائة والخمسون .... قلبت صفحاته المجاورة فاكتشفت أن خطأ في التنسيق يمتد بين الصفحات العشرين السباقة للخمسين ... . الحق أني لم امتعض أبدا من هذا الخلل الفني،.... فقد كان يكفي أن انتبه إلى التعرج الذي يصيب الحدث ..... و إلى عدم موافقة الكلمات الأخيرة و الكلمات الأولى للصفحات الموالية ........لكني كنت دائما حسن النية في مطالعاتي .... مما جعلني ازداد حيرة في الفهم و تقصي المعنى ......كان شكي في قدرتي على إدراك نوايا الكاتب........ و التعرف على النسق الذي اختاره لقصته ( معشوقة الملايين ) .... كما أن الاحتفاء النقدي الذي صاحب توزيعه زادني غشاوة ارتد فيه العيب لى ...
تناهى إلى مسامعي صوت صاخب .... من بعيد ... أخذت ألمح المارة .... مضت سيارة ذات محرك قديم يصاحبه صرير حاد للأذنين تعالت أصواتهم مع اقترابهم .... .وحينما مر من أمام عيناي رأيت صورة لطفل بينهم صامتاً ... ينظر بشيء من الأسى والدمع يتراقص في محجريه بألم ... مضت الحافلة من أمامي تزفها صوت محركها اللعين بصوته الحاد ...
انغمست مجددا في القراءة وقد ترتبت عندي الأحداث و تكشف لي بعض المعنى و أنا أعيد قراءة الصفحات الملتبسة ... تذكرت يومها كيف كان للكتاب غريب بمحتواه إذ شدني منذ البداية حينما كنت أمضى العطلة في لندن فرأيت يومها سيدة أجنبية تناهز سن الثلاثين ... قد غفت قليلا بالحديقة العامة للميدان .. فوقع نظري على كتاب كانت تحتضنه في صدرها ...... وحينما اقتربت لرؤية عنوان الكتاب .... استفاقت وتلاقت أعيننا ببعض ....ابتسمت بعفوية ومدت لي الكتاب ..بعد أن كتبت شيء في أخر صفحاته .... تذكرتها فأخذت أسترق راحة الكتاب في أنفاسي ... كم كان لغباره رائحة حملت في أنفاسي نشوة لملاقاة تلك المرأة ....وبينما أنا كذلك أذا أتى صوت صفير يصاحبه قهقهات كبيرة ... اعتدلت في جلستي ... واسترددت بعض الثقة في اتزان الذهن عندي .....وأنا أتقمص دور المخبر في تقصي الحقائق .. لم أعثر عن كائن حيّ حولي ... ولكن المكان بدأ ينسحب بضباب كثيف ذات رائحة نتنه .... صوت البومة تعلو حيناً وتتلاشى حيناً أخر ... وسط الظلمة .... والخوف يعم المكان ... تذكرت تلك الحسناء ... وما كتبت في أخر كتابي ... ... .كانت الحكاية تحملني أحيانا إلى العنوان ...... الذي توغل بي في طوارئ الأفكار و تنزعني عن المكان على الرغم من أن الحسرة تتوعدني بالعودة، كلما تذكرت أني لم استطع العودة إلى الكتابة منذ مدة طويلة .. سبحت ابتسامة الظفر وأنا أكتشف مادون في أخر الكتاب ... وما أن فتحته حتى ذهلت .... ما هذا .؟؟؟

قلتها في نفسي بعد أن تلألأت عيناي بخطوط وخربشات في صفحة فهرسه..... عدة توقيعات قد تزاحمت في نهاية صفحته ....حملت معه كل الأمنيات ... أخذت أتأمل كل ما خط ودون به .... و يا للصدمة ...... فالكتاب كان يعني بحق في عنوانه .. عنوانه الذي انتقل بين عدة أشخاص ممن هم على شاكلتي .... فقط على شاكلتي .. ... ولمعشوقة الملايين .. .!!


3 التعليقات:

نورة يقول...

القصة جدا ررررروعة
وفعلا استمتعت بقرأتها غاليتي عبير


بوركت ،،

نورة

هناء - مصر يقول...

قصة أوي حلوة وجميلة جداً



هناء - مصر

هــــــديــــــــــل يقول...

ماشاء الله تبارك الرحمن

قصتك في القمة وأسمى المعاني
خصوصا بتشخصيك للشخصيات
بالتوفيق لك أستاذتي عبير