قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

مراسيم حافية القدمين

on السبت، 25 يوليو 2009




خفق قلبها فجأة .. عندما ردد لها قائلا : " سوف أتي اليوم لرؤيتك حبيبتي .. "
لم تستطع كتمان فرحة طالت لمعة سعادتها في أفق عيناها من وقعة الحب حتى أعمق أعماق ذروة فؤادها .. أخيرا ستلتقي به بعد ثلاث ساعات. .... فلطالما تحدثا سويا على النت لساعات ، وبالهاتف لدقائق أطول ... ..
كانت تراه من خلال كلماته وردوده وانفعالاته... كان كما تتمنى هي رفيق درب روح وشريك فرح وحب ، ... كان لجرأته أكبر دافعا لفسخ الخجل من عينيها .... بعد أن تعرفت عليها جيدا ؛ أشهرت حبها وسط استعداد لمراسيم حافية القدمين الخجلى .... تلك الليلة عايشته بكل تفاصيل حديثه.. ووصفه لنفسه .. وعن طبعه الحاني ... وعن حبه الكبير لها ... يومها لم تستطع النوم طول الليل ... شعرت بأنها لوهلة ملكت الدنيا في أسطورة الحب الخالد ... خلدت كل تفاصيل حبها في صور وسط ذاكرة قديمة قارب لونه على الصفار ... ومع حبها كانت تتولد تلك الرغبات العميقة ... بالأمل والحب ... والشغف لدرجة الجنون ... يومها لم تستطع كتمان حبها الفاضح بالجنون ... أدركت صديقتها المقربة حصة الوهم الذي تعايشته ... كانت دائما ما تنبهها بقولها الحازم الممزوج بالخوف والاهتمام :
جـميلة .... أننا في واقع لا ينظر لمثل تلك اللقاءات ببراءة وأنتي تعرفي أن أعز ما تمتلكه البنت شرفها ، لا تقولي لي أن قصده نبيل، ولكن ألسنة الناس لا ترحم!!

جادلتها قائلة بخوف من الماضي التعيس الذي تعايشته لحب ضائع ... وألم كبير .... من شخص تركها لأجل ابنة عمها ... والتي كانت أجمل منها بدرجة تفوق الوصف رددت بشيء من اليأس والأمل البأس :
كل ما أريده أن ألتقي به على مشهد من الناس وفي مكان عام أفي ذلك حرام ؟!
لقد وعدني بالتحدث نعم ... سوف يقولها اليوم لي بكل صدق وعيناه في عيناي ... سوف يطلبني للزواج بعد حب كبير .. بعد حب وجدته بصمت ... وأنا في قاع القهر ...
اقتربت منها بحنان ورببت على كتفها بشيء من الأخوة ... وهي تقول :
غاليتي الحب هو مباح ... وشيء رائع أن كان يتوج نهايته بزواج وعائلة وأطفال ....
ولكن ما بدأت به نهايته سوف تكون اشد من حبك القديم ... أخشى أن يزيد حرجك الجديد بالقديم ... سوف يكون من الصعب .. تجاوزه بسهولة ..
أجابتها بشيء من الرفض والتكتم :
الحب بين اثنين من عباد الله ليس حرام؟!!
هل الحديث من أجل بناء أسرة وأطفال في المجتمع يشترط أن يتوج بالحب !!؟
أنظري حولي .. هل كل أسرة سعيدة .. أنظري إلى نفسك ... لما أمك منفصلة عن أباك ...
هل الحب كان له وجود ...!! أين الحب الذي تستدعينه ...
وأنت تعايشين ضحية أسرة لم تقدر الحب يوماً ..
انحدرت من عيناها دموعها الحارة ... ولاذت بالصمت .. أطبق الصمت على المكان لبعض دقائق ...
عادت بهدوء إليها قائلة بشيء من الأسى :
أنا آسفة جداً ... لم أقصد أن أحرجك ... اعذريني ..أرجوك ..
لم ترد عليها وأخذت تنسحب بهدوء مؤلم ... تركت في نفسها شيء من الأسى والقهر ... حينها أوقض في نفسها شيء من بصيص الفرح .. عند رنين جرس الباب ...
بدلال تترسم خطواتها ...الملتاعة ...فتحت الباب لتراه عامل توصيل طلبات المطعم الايطالي ...عادت لحجرتها ... تتفقد زينتها وتكمل ما تبقى منها ... مضى الليل ... وبعد يوم أخر ... مضى أسبوع ولم يأت على موعده ... انتظرته على أمل .. حتى تضاءل شيئا شيئاً ..
تركت في نفسها أن هناك ما يمنع حضوره لها ... خصوصاً وأن هذا أول موعد لهما ... لم يسبق أن التقى بها مسبقاً ...كذلك أن انقطاعه عنها أكد لها أن مكروه قد حصل له ... ليالٍ عديدة مضت وهي على أمل لظهوره ..في صفحة حياتها ... مجدداً ... أصبح حبها له يصيغ واقعا بدا يكبر في خيالها شيئا فشيئاً .... وتداعت إليها كل المشاعر التي تترعرع في بستان الحب ... كأنها ضمة ريحان، أو سيقان نعنع في حديقة مترعة بالطين اليابس ، فلم تعد ترى في أفق الزمان إلا تلك الساعات التي ستكون أجمل ما في العمر و أحلى ما في الحياة.. ...كان مجرد الحديث إليه كافيا أن يزيح عن روحها هموم سنين، وأن يفجر فيه ينابيع الفرح والاشتعال ... شعلة الحب الحارق بكل ما يلفه من شغف وجنون ... كان أملها البسيط الحلو أن توقظه ذات صباح وفنجان قهوته يفوح رائحة شهية ....حلم بسيط ورقيق كرقة حلمها الوردي ... كم رسمه رسمتها في أحلام أيامها الهائمة ... بجدران تملأ ألوانه دفء الحب الحاني ... كم كان لساعات اللقاء تخيلات !!؟..
كانت تتمنى في نفسها كل العطف والحب أن تقدمه كل مساء ... ولروحها تفديه كل صباح مشرق ... دائما ما تردد في ذاتها بشغف :
" كل يوم سيراني بكامل زينتي .. كعروسة تزف كل مساء .. هكذا ينبغي أن تراني ..لا ..سألبس فستاني الأحمر القاني... وكلما تحاول تنسيق ثيابك ... وشعرك أمام المرآة!! سأكون أمامك بخفة تتسلل يداي إليك بخفة لأترك لمساتي الرقيقة بك ... "

مطت شفتاها في حياء وهي تتخيل الموقف ثم تسحب وسادتها الصغيرة لتضم إلى صدرها وهي تهمس برق :
سأكون معك في الصغر والكبر ... سأكون ظلك الناعم ... ونبض أنفاسك التائهة ... على شاطئ البحر..سنسير معاً ... وبصحبة أولادنا الصغار .. سنشاهد كل تفاصيلهم الصغيرة .. بأحضاننا ... ونتوج لهم يوم تخرجهم سوياً بقالب حب كبير ... وغداً في عجزنا وغدر الكبر بنا ... سأقبل يداك .. كما في أول يوم بعد زواجنا ... ماذا سأقول لك في زمن أصبح كل شيء فيه جميلاً بوجود الحب ؟"

تمددت على سريرها القرميدي اللون ... بغطاءه الأبيض المثير ... وهي تتحسس بكلتا يداها في شغف ودفء ... وهي تردف بصمت أوشك على الانفجار :
هنا ... سأشاركك لعبة الحب .. والألم ... وهنا سنحيى حب طوى سنينه الحزن .. ولوعة الفراق ..بعيناك التي سوف تسترق نظر اللذة في ملامح وجهي ... سأختبئ منك داخل أنفاسك في خجل وتتوارى عيناي بشيء من الفرح والحب الذي يقودني كلماتك الحانية إلي ...ولكن لك طرق لتعذيبي .... قد أسكت فالسكوت هنا أكثر دلالة.. ... تمسك بيدي تحس بحرارة اشتياقي لك ... فأسحبهما في شيء من الحب لأبتعد عنك بعيد والخجل يلفني حتى أخمص قدماي .....ولكنك لم تنسى أن تحضر لي وردة حمراء كما في لقائنا الأول ... "
يصل لها رسالة من مجهول ... لتتلفظ أنفاسها وهي تقرأ سطوره بألم وصدمة تشق كيانها المتصدع بالحب .. " أسف ... لأخباري أن ناصر قد مات يوم أمس بعد ما عاني من ضرب بالرصاص واعتقاله مع متظاهرين وسط السفارة بالأسبوع الماضي .. ارجوا حضوركم غدا لمراسيم دفنه ... "

فجأة انحدر دموعها بحرقة على خديها الناعمتين ... لتكتشف أن أصعب شيء في الحياة أن يكون الحب صادقا ً وأن أصعب شيء أن يصدق مجتمعنا أن يكون للحب مكان أو فسحة من الوقت .... فالزمان زمان الحرب والقتال بالمجازر بعد أن ارتوى بآهات وصرخات أمتها .. في كل مكان وبقعة أرض .. هناك حب يتزاحم داخل ضجيج الموت ... في كل بيت وعائلة يكمن الحب داخل أنفسهم وسط ضيق العيش وقلة الحال ... وباليوم التالي كانت هناك بزيها الأسود المفحم بالقسوة ... كانت ترتدي في معصمها أسورة من ذهب أبيض كان قد أرسالها لها في يوم احتفال تخرجها ...عن طريق أحدى شركات البريد السريع .... وقد وعدها يومها حينما يراها سوف يكمل حبه بأن يضع نصفه في يداها الأخرى ... لم يأتي كما وعدها ..ولم يكمل لها كما اخبرها ... أخذت تنظر إليه بألم وقهر ... تسير حافية القدمين إليه ... إلى قبره ... إلى روحه المدفونة في باطنه ...تبكي بحرقة ... وهي تتحسس موضعه ... تضع وردة بيضاء ... فالحياة لا لون لها من بعده ... انحنت إليه وهي تهمس له ... :
سأنتظرك .. يا ناصر ... سأنتظرك مهما حييت .. !!
رددت في أنفاسها المكسورة : " الحب حبك .. ولكن يكون من بعدك حب .. "
أدركت مع طول العمر القاسي أن أصعب شيء لرجل يعيش هذا الواقع .... واقع أن يتعرف على امرأة تكافئه إدراكا وتملأ عليه حياته فرحا وحيوية .... فالحقد والغصب سيمحى حتما لحظة ضعفه ... المرأة... حتما سيتركها مع دوامة الحياة القاسية ... شعرت بالغضب حينها عندما وجدت أن الحب كاملاً ... كاملة كما تشتهي روحه ... كم كان حبه عميقا في قلبه ... مضت أيام لا لون لها والدموع لم تفارقها كل ما تذكرت أحلامها الوليدة تتلاشي أمامها ...كم كان رائعاً .. أن يولد الحب في تلك اللحظات وهو قد ودع بعضا من أيامه القادمة في زمن الحرب الأخيرة ...

" .......... تمت .........."

1 التعليقات:

سهام المحبة يقول...

قصة حلوة

ولامست خيالي في تصويره

عجبني أسلوبك بالطرح والسرد للاحداث
وودت لو كانت القصة أطول بكثير


سهام المحبة