قصص قصيرة

أعَطنَي حَريتَي..((ولكَن))..لاَتطلق يَديّه!

غيرة أثنى

on الجمعة، 17 يوليو 2009



ارتميت على فراشي .... لأبلل وسادتي بدموعي الغريزة ... بعد أن غسلت وجهي أثر تلقي الصدمة العنيفة بي ...
لم اعد أحتمل البقاء أكثر بعد أن رأت كلا عيناي الحقيقة أمامي ... " أنه زوجي ... الخائن ... وعشيق المرأة الحقيرة ... ياألهي .."
أخذت أردد هذا بلا وعي .. وأنا أسدد ضرباتي العنيفة على وسادتي ... وكأنني أنازعه هو حتى تمزقت وتناثرت ريشتها البيضاء حولي ... بمرارة بكيت ... تألمت ... الوضع لم يعد يحتمل ... التعين منه .... لقد رأيته وهو يخرج من شقتها .. شقة " أم سميرة " المرأة الأعجمية ... منذ زمن وهي تعيش هنُا بيننا ... في العمارة الواحدة ... لا فرق بيننا سوى بطوابق فأنا اسكن في الدور الثاني ... أما هي ... ففي الطابق الأرضي ... لا نعرف عنها سوى امرأة وحيدة ... لديها أبنتها الصغرى " سميرة " ...
الفتاة البريئة المليئة بالشقاوة ...والحيوية ... والحنان منذ صغرها .... ولا تبالي بما يهتف صغار الحي من أنها أبنه الحرام ... ... بل أنها لا تدرك معناه ... دائماً ... ما أجدها تلهو في مدخل العمارة وبيدها لعبتها الدمية ... تلهو بها كيفما يحلو لها ..... تمضي الوقت واليوم بأكمله في الشارع رغم أن عمرها لم يتجاوز الأربع سنين ... أما أمها التي تبقى داخل شقتها لا نكاد نراها إلا إلماماً ... كانت تعمل في مكينة الخياطة ... تخيط ملابس النساء وما ترقع من الثياب بمبلغ زهيد .. دائماً ما كنا نلاحظ تردد النساء إلى منزلها .... بشكل دائم ...
حياة بسيطة ربما أقرب إلى التقشف والزهد صحيحاً إنها لا تزاور نساء الجيران ... إلا ما ندر ولكن جمالها غالباً ما تسلب رجال العمارة بأسرها ... جمال هادئ بتقاسيمه يميل إلى النقاء ... تبدو بهيئة مزرية في أغلب الأحيان ولكن جمالها وبياضها تُأكد إليّ أنها ورثت من احد أجدادها الأتراك ... وربما هي كذلك أنف دقيق يشف عن مدى التجلد والتحمل التي عانته ... وعيناها خضراوان تحيط بها أهدابها السوداء التي تعلوهما حاجبهما الدقيق وكأنهما قد رسمتا بشكل دقيق ... منسق في أطار بديع التي تقابل شفتيها الورديتان باستدارتهما البيضاوية ... ملامح جامدة ...بلا معالم ... بشعرها الحريري والذي ينسدل أسفل كتفيها .. وإن خرجت لتقضي حاجتها تحمل أبنتها " سميرة " بعد أن تلف على جسدها عباءة سوداء تجمع طرفه في قبضة يدها اليمنى .... توحي لما يراها أن الأرض مبتلة بالطين وتخشى إلا تتعثر في الطريق المنعرج ... هكذا تذهب حينما يكون الشارع فارغاً من البشر المارة ... ولا تعود إلا بخلو المكان من البشر بعد أن يحل به ظلام دامس ... عرفت ذلك الحين أنها تذهب في الصباح ولا تعود إلا عند حلول المساء ... فكثرت الأقاويل بها ... ليُشاع بأنها امرأة لا قرار لها .... حتى الصق بها لقب " الساقطة " ...
فمنذ أن سكنت أنا وزوجي حتى الآن لا نعلم عنها أي شيء أخر سوى ذلك ... لذلك بكيت ... فمنذ مدة وأنا أتشكك بتصرفات زوجي الغير مبرر ...لاحظت التغير البادي عليه ... بدأ من أوقات عمله التي زيدت ونقصان مرتبه الشهري عنا بقيت في حيرة من أمري ... حتى أوجست في نفسي بأن هناك شيئاً يخفيه عني ...حملت على عاتقي مراقبة وقت انصرافه وميعاد قدومه ... وفي بعض الأحيان أحاول الاتصال به .... في مقر عمله ... فلا يجيب بعد قدومه ... أو ذهابه مبكراً ... دارت الأسئلة في مخيلتي طويلاً ... حتى تيقنت بأن هناك امرأة في حياته ...بدأت تسلب حياته مني ....شيئا فشيئاَ ... بدأت الأفواه تعلو بما تم ملاحظته ...حركة غريبة في شقتها ... فرائحة الطبخ المميز يسلب النفس عند مدخل العمارة ... طعام شهي ...بدأت أبنتها بهيئة مرتبة ... بعد أن كانت بشكلها الأشعث ... بثوبها القطني القصير الذي يكشف عن ساقيها المغبرتان بالأوساخ ... أصبحت أكثر نظافة ورقة بفستانها السماوي المزين بخيوط ذهبية لامعة المنسقة بشرائط بيضاء حول خصرها ... تبدو فتاة مهذبة ومن الطبقة الراقية ... أصبحت مغايرة عما كانا نعلم عنها بالسابق ... أصبحت نظيفة ترتدي قبعة بيضاء لينسدل شعرها الأشقر الحريري حول جبينها .... ليوازي حاجبها الدقيق ..
كانت تنتعل حذائها الأسود بجواربها البيضاء الناعمة ... أما أمها فلا نكاد نراها بتاتاً ... أيكون هناك رجلاً في حياتها وإلا من أين لها هذا المال ... وهذا النعيم الذي ترفل به ...هي وابنتها " سميرة " ... وبالفعل بدأنا بمراقبة منزلها ... ومن يكون وليّ أمرهما ... لكننا احترنا في مفترق الطريق .... فلم نعد نسمع مكينة الخياطة العتيقة تدور في منزلها ... ولا زوار في منزلها كما في السابق ...
أصبحت أكثر اهتماما ً وأحسن حال .... حتى صعقت ذات يوم بما اخبرني ابن الجيران ... أن حينما سأل " سميرة " بمن جلب لها هذه الثياب لتجيب له وببراءة " فيثل " .... تقصد به فيصل وهو اسم زوجي ... " حيث أنها دائما ما تنطق حرف الثاء بدل من أحرف كثيرة ....
لا أكاد أن أصدق ... ما العمل ...؟؟؟ ولكنني أرجعت حبها بزوجي لأنه يشفق عليها ويعطف على ابنتها " سميرة " ... فكان غالباً ما يحن عليهما .... ويهدي لابنتها بعض الحلوى التي يجلبها مع في الطريق .. وكلن الآن قد صدق ابن الجيران لما قال ... لم يكن ليجلب لها وإنما ليتودد ويتقرب من أمها ...التي لا يعرف عن عائلتها أو عن أبا الطفلة من شيء ... فربما ذلك ساعده لتتقرب منها بعد أن سنحت له الفرصة وبالمصادفة أن يراها ... حينها توقفت عن البكاء وعن التفكير أيضا ... عندما سمعت وقع أقدام قادمة نحوي ... أطلت نحو عدسة الباب فوجدته يصعد إلى شقتي ... كدت إن اجن ...أيخدعني أنا .. ومع من ... مع تلك الساقطة ... لا ....لا يمكن ....
حينها سمعته يدير مفتاح قرص الباب ... كدت إن أجن وافقد صوابي ....فكيف أواجهه بالأمر ... وهل الوقت مناسباً لمناقشته ... هل افتعال الشجار بعد منتصف الليل ... خشية إن يعلم جيران العمارة بأمرنا ... أم اصمت وابقي الأمر حتى يوم غداَ ليتسنى لي التأكد منها أولا ... سأذهب إليها غداً ...سأحادث أم " سميرة " عن الوضع المريب التي حدث لنا .... أتراها تتقبل الأمر ... أم سترفض الاعتراف فيه .... حتماً سترفض لأنها تعلم أنني زوجته .. ذاك الذي يسمى حبيبها وعشيقها ...إلا لو كان زوجها ... ؟؟
وقعت الكلمة شديدة على قلبي ... وبمجرد أن أردد الكلمة أشعر بانفجار يحطم نفسي وصداع هائل يزلزل عقلي ...أنه أمر فضيع الشعور به ....
تخيلت الأمور ابعد مما هي عليه .. في أرض الواقع ... دلف زوجي إليّ ...قبلني في جبيني ... شعرت بالتقزز وأنا امسحها بينما أطلقت سؤالي المجروح ... وبي شيء من الغضب الهادر ...حاولت إخفاءه بقوة وسط أنفاسي ...
أتريد أن أقدم لك طعام العشاء ....؟؟
أجابني حينها ببرودة لا تطاق منه :
كلا ...لا أريد ...
وسار نحو الحجرة ليسقط جثته على الفراش ... ياألهي ... لقد تناول طعام العشاء معها ..وتركني غير مبالي بي ...... تباَ له ... لقد تناول طعامه هذه الليلة معها ... ربما امضيا وقتاً ممتعاً ... منعه من أن يستقبلني بود كما كان يفعل كل مرة ... ربما وجد بها شيئا أثاره ولم يجده بي... ما العمل ... ياألهي ما الحل إذن ... أطرقت ساعة من الزمن وأنا أدور حول فراغ مستميت بلا فائدة ترجى ... قفزت حينها فكرة جهنمية إلى مخيلتي .... سأبحث في جيبه عن مفتاح .. أو رقم .. أو رقة ربما تثبت لي صحة ما رأيت أو على الأقل تفسر الوضع الذي أنا عليه ...أخذت حينها أبحث بينما كان هو مستغرقا في نومه ... لم اعثر على شيء ذي أهمية تعنى .. ترى ماذا علي أن أفعل .....؟؟
جن جنوني ...لما استطع في تلك الليلة النوم بسلام ... وبجواري مكمن الأسرار والألغاز يغط بنوم عميق ... لم استطع أن استشف شيء مما وجدت يثبت لي صحة شكوكي ... لم أجد ما يثبت انه على علاقة بها .... يئست ... مضى يومان وأنا على هذا الحال ... في نار الغيرة أتلظى .... وفي حكم الشك أتقصى ...
وفي اليوم الثالث ... شاءت الأقدار أن تبين لي الواقع الذي خفي عن عيني وطمس وجه الخير من بين يدي زوجي الغالي ...كنت على موعد إلى الطبيبة لإجراء الفحوصات المبدئية حول تقرير ثبوت الحمل أم لا ... وبالفعل ذهبت أنا وزوجي إلى الطبيبة هناك ... وتم إجراء الفحوصات سريعاً ... ولكن زوجي قد نسي أن يجلب ورقة الموعد السابق للتحاليل لتتطلع عليه الطبيبة حول ما كتب بها .... و يا لمصادفة أحضر زوجي أوراقي مع ورقة باهته اللون تميل إلى الصفار والتمزق .. لقد كانت ضمن هذه الأوراق مصفوفة ..حينها قدمها إلى الطبيبة ...أعادت له الورقة هذه وكنت أتفحصها بعيني حتى سحبتها منهما وفتحتها سريعاً لأطلع ما دون به ... شيئا مريعاً .. شيئاً يكشف لي مدى التغير المفاجئ لجارتي أم " سميرة " والسبب الرئيسي لتغير تصرفات زوجي ... أنه هو ...لا غيره ...من اهتم بقضيتها.... شعر بواجبه الإنساني تجاه هذه المخلوقة الضعيفة ... ليجد لها السكن والماؤى .... بعد أن تابع إجراءات ابنتها " سميرة " وإصدار شهادة ميلادها ... باسم والدها السجين ....نعم والدها الحقيقي ... فمنذ أن دلفا إلى هذه البلاد حتى تعرضا إلى السرقة برا ... ونهب حقائبهما وممتلكاتهما ... وكانت من ضمنها ... مجموعة أوراق وسندات وقروض قد سرقت منهم ... فلم يستطع أبا " سميرة " فعل شيء بعد أن قبض عليه ... سداد القرض الذي لم يمضي على استلامه شهراً واحداً وبالفعل سجن ولعدم وجود أوراق رسمية ... تثبت ذلك حينها ضاعت ام " سميرة " وابنتها في هذه الحياة الظالمة ... وعلمت حينها من زوجي أنها كانت تخرج من الصباح لتزور زوجها المسجون ..ثم تمضي إلى مقر السفارة لتنهي إجراءات المعاملة الخاصة بهم ... فلا تعود إلا بعد حلول الظلام ... وعملت أيضاً أنها كانت تخيط مما يتسنى لها الوقت لسداد الدين عن زوجها السجين وبالفعل أكمل زوجي دينه الناقص عليه ... ليتم إجراءات خروجه بعد أسبوع ... ياألهي ... كل هذا يحدث دون أن أدرك هذا ... وكيف حصل بي إن شككت بزوجي في مسألة خيانته لي ... ما كان علي إن افعل هذا ... ولما لم يطلعني بالأمر ... أكان الأمر يستحق السرية التامة فيها ... بكيت حينها أكثر وأكثر ... عندما ضننت بهما سوء ...أنه زوجي ... هذا زوجي الملاك الطاهر ... الإنسان الرحيم العطوف ... كيف له أن يغفر لي لو علم ما كنت أظن به ...كيف سيسامحني بعد ما فعلت به ... يا حسرتي ..أدركت حينها أنني لا أستحقه ... أنه فعلا رجل منبع الخير فيه كامل ...
بكيت ورجوت من الله أن يغفر لي ... وحينها لم انتظر منه شيئا ...بل بادرت إلى تقديم المعاونة والمساعدة وشد أزرهما في إنهاء هذه المعاملة الخاصة والإنسانية ... وبالفعل خرج أبو " سميرة " والذي لم يكن على دين مثلنا ... فأسلم ... بعد أن علم وتأثر من موقف زوجي وأسلمت معه زوجته أم " سميرة " ..أيضا ... وبعد مضي تسعة أشهر ... أرد الله أن أضع طفلي الأول " عبد الله " في نفس الأسبوع الذي اجتاز ونال أبو " سميرة " شهادة الدكتورة بمرتبة الشرف في الشريعة وأصولها ....

" ......... تمت ........ "

1 التعليقات:

سوق الفرضه يقول...

القصه ... وايد وايد حلوه .. وتخلي الواحد يكون من ضمن الشخصيات لاشعوريا" .. لأني تخيلت ضرباتك للوساده والريش المتناثر . بصراحه قصه محبوكه بالتوفيق